أبوظبي ـ أ.ش.أ
عندما تتجول بين ساحات العرض وأروقة الكتب في معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، يداهمك مشهدان على طرفي نقيض، أولهما هو هذا الحضور الطاغي للشأن السياسي ، سواء على مستوى ما تعرضه دور النشر العربية والأجنبية ، أو على مستوى الندوات وحفلات توقيع الكتب ، الثاني هو مساحة الاهتمام بالطفولة داخل أرجاء المعرض الممتدة على 12 قاعة عرض .
فالكتب السياسية والفكرية الدينية والتاريخية ، خاصة تلك التى تتصدى لموضوع " الإسلام السياسي" وتجربته في الصعود والانهيارخاصة في مصر باتت مطلبا واضحا لجمهور المعرض في دورته الـ24، وهو ما عمل الناشرون على تلبيته ، حيث أكد ناشرون عرب أن القارئ بات شغوفا الآن بالتعرف على كل ما يناقش الشأن السياسي والإسلامي العام وما ترتبط بهما من قضايا .
فيما يكرس حجم ونوعية المعروض من الكتب ،ملاحظة أن الكتب السياسية أو التي تعالج قضايا الإسلام السياسي والصادرة قبل بدء ثورات الربيع العربي لم تعد مطلوبة، فالمطلوب الآن هو تحليل وتفسير وإلقاء الضوء على ما يجري على الخارطة العربية من العراق إلى لبنان وسوريا وفلسطين ومصر والجزائر وتونس.
ويقول محمد الشحى مدير إدارة البحوث والإصدارات في دار الكتب الوطنية في أبو ظبي ، أنه انطلاقًا من مفهوم التبادل الثقافى الذى يوفرُهُ معرضُ أبوظبى الدولى للكتاب والذى تحولَ من مجردِ كونه مركزاً لبيع الكتب ، إلى ملتقىٍ حيوى مفتوحٍ يستقطبُ كبارَ الكُتابِ والمفكرين ، رأينا أن نطرحَ موضوعَ الإسلام السياسى للنقاش فى أكثر من جلسة لمعالجة أزمة التعصب الدينى وما تتركُهُ من ظلالٍ قاتمةٍ على الحياة المعاصرة .
حيث يشارك الكاتب والمؤرخ المصرى محمد الشافعى ومنصور النقيدان مدير مركز المسبار للدراسات فى ندوة تحت عنوان "صعود وسقوط الإسلام السياسي" فيما تم تنظيم ندوة أخرى عن "الإسلام السياسى فى الكاريكاتير" بمشاركة مجموعة من محترفى فن الكاريكاتير .
جاء ذلك في وقت احتلت واجهات الكثير من دور النشر العربية المشاركة في المعرض عناوين خرجت لتوّها من المطابع، جميعها يصب في الشأن السياسي والديني، حيث لا يزال أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة يتصدّر العديد من الأغلفة جنبا إلى جنب مع “أئمة الشر” كما يطلق عليهم الكاتب المصري المنشق عن جماعة الإخوان ثروت الخرباوي .
وتؤكد المشاهدات من داخل المعرض أن القارئ يريد أن يعرف ماهية تلك الجماعات التي يتحدث الإعلام عنها ليل نهار، يريد أن يعرف أفكار وآراء من يقتلون ويحرقون ويقطعون الرؤوس " داعش أو نصرة أو سلفية جهادية أو الإخوان والجهاد الإسلامي أو الجماعة الإسلامية وحزب الله وحماس " وغيرها.
وتشير التقديرات حول حركة الشراء واقتناء الكتب إلى أن الكتاب الذي يعالج قضايا الراهن أو يلقي الضوء عليها هو المطلوب، فيما تراجعت مبيعات الكتب التي توثق لثورات ما أطلق عليه الربيع العربي، وكذا الكتب التي تتناول فترة ما قبل الثورات وما كانت ترضخ تحته من ديكتاتورية، الان لقارئ يريد معالجات اللحظة الراهنة.
إلا أن المشهد الموازي الذى يمكن ملاحظته بجلاء هو ما تميزت به أيام معرض أبو ظبي الدولي للكتاب ، وهو الاحتفاء بالأطفال والناشئة بشكل استثنائي، حيث لم تقف إدارة المعرض عند حد إفراد نحو ربع مساحة المعرض من أجل الكتب الموجهة للأطفال والناشئة، بل أبدعت مجموعة من الفعاليات التفاعلية الموجهة لهم، إيماناً بضرورة لخلق جيل قارئ قادر على اكتساب المعارف المختلفة.
وكان من المألوف أثناء التجول بقاعات المعرض ، مشاهدة مجموعات عديدة من الأطفال في زوايا وأركان مختلفة في المعرض وهم يقومون بنشاط ثقافي أو فني أو تعليمي، بالتعاون من وزارات وهيئات إماراتية مختلفة، فضلاً عن جولاتهم المستمرة بين أجنحة ناشري كتب الأطفال.
فيما خصصت هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث للأطفال ركناً للإبداع، يعنى بثلاثة أنشطة مختلفة، المسرح والطفل الضغير، وورشات العمل، ويتضمن حكاية القصص وورش العمل التوضيحية للصغار والناشئة، مخصصة للأطفال بين سنتين و13 سنة. وتشهد هذه الفعاليات إقبالاً جيداً من قبل الأطفال، حيث يستمتعون بأجواء القراءة واللهو على حد سواء.
وشاركت في الفعاليات المخصصة للأطفال مؤسسات وهيئات إماراتية في فعاليات الأطفال، وكذلك مؤسسات ثقافية وتعليمية أوربية ،
وأقيمت ورشات عمل للأطفال للتعبير عن إبداعاتهم ولترك بصماتهم الخاصة في المعرض من خلال الرسم إلى جانب فعاليات تخصصية للطفل والنشاطات والتفاعلية التي اجتذبت عدداً كبيراً من الأطفال العرب والأجانب في الدولة.
وخصصت السويد جزءاً كبيراً من جناحها للأطفال، كما خصصت مؤسسات حكومية إماراتية أجنحة كاملة للأطفال تعلمهم علاق الطفل بالمجتمع، وحقوقهم وواجباتهم تجاه مجتمعهم الأسري والوطني.
ونادراً ما يخلو المعرض من أعداد كبيرة من الأطفال يبحثون عن كتبهم المفضلة، ويتوزعون على نشاطات المعرض المختلفة، يرسمون ويلونون، ويتعلمون مهارات يدوية، ويناقشون الكبار في كل ما له صلة بالفن والأدب والثقافة.
إلا أن الحدث الأبرز الخاص بالاهتمام في الطفولة خلال هذه الدورة من المعرض ،هو قيام حكومة أبو ظبي بتخصصيص أكثر من مليون دولار ، توزع للطلاب بكافة أعمارهم كبطاقات مدفوعة الثمن ليستفيدوا منها في شراء الكتب التي يرغبون.
كما أقيمت عدة ندوات حول قضايا الطفل وعلاقاته بالقراءة ووسائل مخاطبته وسبل تنمية هذه الهواية لديه ، وتم تخصيص منطقة حصرية في المعرض لمرحلة ما قبل المدرسة، من سن سنتين إلى 5 سنوات، وقد صممت بطريقة تحافظ على سلامة الأطفال مع إضفاء جو من المرح والحيوية من خلال الكتب والرسوم التوضيحية المقدمة، كما تشمل الأنشطة أيضاً على بعض أشرطة الفيديو التعليمية لمرحلة الطفولة المبكرة ورواية القصص والغناء الجماعي لتعليم الأطفال الصغار بعض أغاني الحضانة الكلاسيكية باللغتين العربية والإنكليزية.
وكما تم الإهتمام بتخصيص وقت من جانب الكتاب والمبدعين المشاركين بالمعرض للقاء الأطفال والإجابة على تساؤلاتهم ، تجمهر عشرات الأطفال إما ممثلين يتقمصون دور شخصيات كرتونية ، أو متفاعلين معها .
أرسل تعليقك