الخلاف على تربية الأبناء نزاع الكسالى والبُلَدَاء
آخر تحديث GMT09:18:26
 تونس اليوم -

الدكتور مأمون الدريبي لـ"العرب اليوم":

الخلاف على تربية الأبناء "نزاع الكسالى والبُلَدَاء"

 تونس اليوم -

 تونس اليوم - الخلاف على تربية الأبناء "نزاع الكسالى والبُلَدَاء"

أم تساعد ابنتها في القراءة

الدار البيضاء ـ يسرى مصطفى   يؤكد الدكتور مأمون مبارك الدريبي، اختصاصي التحليل النفسي، لـ "العرب اليوم" أن نزاع الأب والأم حول من سيربي الأبناء ومن سيقرر مصيرهم، مَرَدّهُ لعيشهم إشكالية تسمى في مجال التحليل النفسي "تعويض ضعف الإنجاز في الإنجاب"، موضحا أنَّ ضعيف الإنجاز، الذي لم يستطع تحقيق النجاح الدراسي أو المهني، أو من فشل في استقطاب اهتمام الناس، يحاول أن يبحث عن نجاحه في الإنجاب، لأنَّه السبيل السهل بالنسبة إليه.
بعد استطلاع رأي عدد من الآباء، يكشف لنا الدكتور مأمون مبارك الدريبي، كيفية تعامل الأبوان مع طفلهما، ليكتسب شخصية سوية،  قادرة على مواجهة الحياة بمختلف إكراهاتها، ومتى يكون اللين ومتى يجب فرض الشدة، وهل يجب أن يربي كل واحد من الأبوين طفله حسب هواه وقناعاته وتربيته هو، أم يجب أن يتفق الاثنان على نهج سبيل واحد؟.
ويطلق الدكتور مأمون الدريبي على هذا النوع من النزاع اسم "نزاع الكسالى والبُلَدَاء"، كما يؤكد أنه "مشكل بدائي" وليس نوع من "الصراع الفكري أو الثقافي"، وفي مواجهة هذا النوع من النزاعات يدعو الدكتور مأمون الدريبي، لإعطاء الطفل الحرية في ممارسة هواياته كي يتسنى له تفجير مواهبه، وينصح اختصاصي التحليل النفسي كل أب قائلًا "تخلف وراء زوجتك بخطوة لتتخلف هي بدورها عن الطفل بخطوة، فهي إمامهم ومنها تستقى المحبة والصبر وهي من تقترح وتختار، وأنت (الأب) صاحب الكلمة الأخيرة ورهن إشارتهم".
يحمل الطفل غالبًا انطباعا عن والده، بأنَّه الأقوى، والأعلم، والأقدر في محيط الأسرة، وهو الذي يُصدِر الأوامر والنواهي ويواجه مختلف الأحداث. فالطفل يذكر عادة ما يحتاجه لوالديه حتى يقوما بتوفيره، لكنه يلجأ إلى أبيه ويعتبره مدينا له في توفير أمنه، بما أنه شاهد عدة مرات كيف أن جميع أفراد الأسرة يلجأون إلى الأب في الحالات الصعبة والظروف الحساسة، ولا يعتقد عمليا بوجود من هو أكثر كفاءة أو قدرة منه، غير أن هذا الأخير قد يواجه بشكل خاص مشكلة في الحفاظ على دوره كمسؤول عن العائلة، وبين التنازل وقبول أسلوب الأم في التربية، كونها تقضي أطول فترة مع أبنائها مقارنة معه، وهذا ما يحتاج إلى وقفة جادة من الطرفين، كي لا يتعرض الطفل إلى ازدواجية في التعامل، وتشويشا في المفاهيم التربوية. لذا فإن الانسجام والاتفاق على أسلوب التربية، يعد من الأمور الحساسة في حياة كل أب وأم، وهذا ما تؤكده نادية، وهي أم لثلاثة أطفال، "الأبوة مهمة جدا كما الأمومة، ودور الأب أن يساند تنشئة الطفل العاطفية السليمة، إذ أنّ إظهار العواطف والمودة والرعاية الجسدية للطفل لا يقتصر على الأم وحدها، بل يجب على الأب كذلك الاهتمام بطفله منذ نعومة أظافره، ومشاركة الأم في كل صغيرة وكبيرة تخص فلذة كبده".  
بخلاف الأسرة الصغيرة، تعيش الأسرة الكبيرة في جو عائلي يضم الأجداد والأعمام والعمات، وهذا يؤثر بشكل كبير في نشأة الطفل وتكوين شخصيته، إذ يتدخل الجد أو الجدة أو أحد الأقارب في تربيته، تقول خديجة، ربة أسرة وأم لأربعة أطفال، "نشأة الطفل وسط أسرة كبيرة من شأنه أن يخلق تشويشا عند الصغير، لأنَّ الأجداد سيعطون تجاربهم وخبراتهم السابقة، التي قد لا تناسب هذا العصر، مما سيؤدي إلى تشتت الأبناء وأحيانا إلى الدلال الزائد في تصرفاتهم، لذا من المهم جدًا أن ينتبه الأبوان لهذه النقطة، وأن يستفيدا ممن يكبرونهما سنا في الأشياء الصحيحة، كأن يُربي الجد، حفيده على الكرم، وعلى حب مساعدة الآخرين، ونحو ذلك من الأخلاق والشيم التي لا تبلى".
 إنّ أسلوب الوالدين في تنشئة الطفل، أمر أساسي للحفاظ على الاتصال الصحيح بين الزوجين دون الدخول في النزاعات، كما أنَّه مهم للطفل كي يبدأ باكتساب العادات السليمة، والقيم والمبادئ، التي سترافقه طوال حياته. ويقول منير، أب لطفلين، في هذا الصدد، " لا أتفق مع الوالدين اللذيّن يحاول كلٌ منهما أن يجذب ابنه أو ابنته لصالحه، ويقف في صفه، فالمهم هو إحساس الطفل أنَّ أبويه يحبانه ويهتمان به، وأنَّه أوَّل انشغالاتهما، فعلى الأم أن تنصت لطفلها وتهتم لمشاكله كما على الأب أن يخصص وقتا للحديث مع ابنه حتى يشعره بأهميته وأنَّه ليس طفلا صغيرا".
وتضيف سميرة في السياق نفسه، وهي ربة بيت، "ما يجب أن يتفق عليه الوالدان، هو عدم إباحة أمر منعه أحدهما، فمثلا إذا منعت الأم طفلها من الخروج للعب في الشارع، على الأب أن يُزكِي قول الأم، ويقنع الابن بجدواه، وألاَّ يضرب قرارها بعرض الحائط، محاولًا الانتصار لابنه بالسماح له بالخروج للعب خارج المنزل. فكم من طفل يشتكي لوالده قسوة معاملة أمه، فيقابله باللين واللطف، مدعيًا أنَّ الأم لا تفهم ولا ينبغي الاهتمام لما تقول وأنَّ الكلمة الأخيرة له، إذ يجعل هذا الأمر الطفل يتمادى في تصرفاته الصبيانية، مستندا بوالده، الذي يقف في صفه في كل مرة ليؤازره، ويحقق أمانيه ورغباته ويمجد قراراته، والعكس صحيح، إذ يمكن أن تكون الأم في صف الطفل ضد الوالد، وهذا خطأ كبير يقع فيه الكثير من الآباء".
يؤكد الدكتور مأمون مبارك الدريبي، اختصاصي التحليل النفسي، أن نزاع الأب والأم حول من سيربي الأبناء ومن سيقرر مصيرهم، مرده لعيشهم إشكالية تسمى في مجال التحليل النفسي، تعويض ضعف الإنجاز في الإنجاب، فضعيف الإنجاز، الذي لم يستطع تحقيق النجاح الدراسي أو المهني، أو من فشل في استقطاب اهتمام الناس، يحاول أن يبحث عن نجاحه في الإنجاب، لأنه السبيل السهل بالنسبة إليه، ويقول "لهذا نجد العديد من الآباء يتصارعون ليحقق أبنائهم ما لم يستطيعوا تحقيقه في شبابهم، فمثلا تقول الأم "أنا لم أدرس لذا أريد أن تنجح ابنتي في الدراسة" أو يقول الأب "لم أحقق حلمي بأن أكون طبيبا، لذا أريد أن يصبح ابني طبيبا".. ويحاول كل منهما ترك بصمة في ابنه ليفتخر بها أمام الملأ، حتى يقال هذا ابن فلان، أو هذا ابن فلانة".
النزاع في تربية الأبناء يطلق عليها الدكتور مأمون الدريبي، "منافسة الكسالى والبُلَدَاء"، فالكسول الذي لا يملك إنجازًا خاصًا به، يتنافس ليحققه في ابنه، فتختلط لديه التربية بالإنجاز وهذا مشكل عويص في نظره. يقول " لأن التربية هي أن تعلم ابنك الأدب، والنظافة، واحترام الآخر، وتحمل المسؤولية، والإنصات، والصمت في مواضعه، وأن تكون خير قدوة بامتثالك لما تُعَلِمَهُ له، فلا يُعقَل أن تنهي عن فعل وتأتي مثله. أما الإنجاز فهو رعاية ومرافقة الأبناء، واحترام حقهم في اختيار مسارهم الدراسي أو المهني أو غيره، وأشدِّد على الرعاية، لأسوق مثال الراعي الذي يرعى غَنَمَه، فهل يسبق الراعي غنمه..؟ أو يجرها من ورائه لتتبعه..؟ بالطبع لا، فهو يتركها على سجيتها ترعى الكلأ، ويتبعها مراقبا إياها وحاميها من المخاطر التي تتهددها من كلاب ضالة أو ذئاب أو شاحنات، وتاركا مسافة بينه وبينها حتى تبقى على راحتها وهنا يتحقق المعنى الحقيق لكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
مشكل النزاع في التربية بين الأب والأم ليس مشكلا ثقافيا أو فكريا، حسب الدكتور مامون مبارك الدريبي، بل هو مشكل بدائي، فمن يفتقر للممتلكات يصبح ابنه أغلى ما يملك، وهذا خطأ لأن الأطفال ليسوا بممتلكات، يقول الدكتور "ذكر جبران خليل جبران في كتابه "النبي"، "أطفالكم ليسوا أطفالكم، إنهم أطفال الحياة" وذلك لاستمراريتها، فعلينا كآباء أن نتقرب من أبنائنا ونتعرف على خاصيتهم، فمن لديه ميول فنية أو أدبية نأخذ بيده ونعينه على تفجير موهبته وتحقيق ما يحلم به.. وأقول للأب الحر، تخلف وراء زوجتك بخطوة لتتخلف هي بدورها عن الطفل بخطوة، فهي إمامهم ومنها تستقى المحبة والصبر وهي من تقترح وتختار، وأنت صاحب الكلمة الأخيرة ورهن إشارتهم، إذ تقرر وتنفذ وتحسم في القضايا التي تهم أبناءك، غير أنَّ فترة المراهقة تتطلب منك جهدًا أكبر واهتمامًا مضاعفا".
ويشير الدكتور مأمون الدريبي إلى أنّ التربية مراحل، أولها مرحلة الرضاعة والطفولة الصغرى، ثم الطفولة الكبرى، وأخيرا مرحلة المراهقة. ومرحلة الرضاعة أو فترة الجنين التي تسبقها لصيقة بالأم، فعالم الجنين والرضيع، يعطي للأم طبيعيا الأسبقية، ليجد الأب نفسه في مرتبة ثانية بعدها. لكن ثقافيا، تعطي الثقافة الذكورية السائدة في المجتمعات العربية، للأب الأحقية للهيمنة والإمساك بزمام الأمور جميعها دون أي مبرر، وهذا هو السبب في العديد من الكبوات التي يعيشها المجتمع العربي، والواقع أنَّه لا فرق بين الذكر والأنثى في العقل والذكاء، اللهم البنية الجسمانية والتركيبة العاطفية التي تميزهما عن بعض، بسبب قانون الهرمونات.وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: "ليس الذكر كالأنثى"، ولم يقل "ليس الرجل كالمرأة"، ومصطلحات القرآن دقيقة جدًا، ويقصد أنّ البنية الذكورية لا تشبه البنية الأنثوية، وأي ثقافة جاءت لتؤكد أن المرأة أقل ذكاء وأقل مستوى، نقول لها من ربَّى الرجل؟ كما أن التأويل الذكوري لحديث الرسول (ص) "المرأة ناقصة دين وعقل" خاطئ، لأن نقصان الدين كمي بسبب فترة الحيض، الذي يعفي المرأة من الصلاة والصيام، كما أن العقل لا يعني الذكاء، بل يفيد القدرة على التذكر وحفظ المعلومات، وهو ما يقل عند المرأة في فترة الحيض بسبب نقصان مادة الحديد في دمها. لذا أقول للآباء تمهلوا ودعوا أولادكم يتغلغلون في أمهاتهم، لأن دور المرأة حاسم في حياة وتكوين الطفل، لأن الجنين يتوسد كبد والدته ونصفه الثاني على طحالها، ولا تسمع أذنه إلا دقات قلبها، فبحكم هذه العلاقة الحميمية الطبيعية، تملك الأم الأحقية لاحتضان ورعاية طفلها، ولا يبدأ دور الأب إلا عند بداية مرحلة الطفولة الصغرى، أي في سن ثلاث سنوات ونصف السنة، إذ يدخل الوالد في علاقة مع ابنه، ليس بالهيمنة والضغط والتخويف وإعطائه الأوامر، وإنما بالمحبة، لأن الأطفال الصغار يحبون ثلاثة حاجيات، هي اللعب والأكل والنوم، فإذا أراد شخص استدراج طفل فليلعب معه ألعابه المفضلة، وليشاركه الطعام، ولينم برفقته. هذه الأمور البسيطة تضمن تعرف الطفل على والده والتقرب منه.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخلاف على تربية الأبناء نزاع الكسالى والبُلَدَاء الخلاف على تربية الأبناء نزاع الكسالى والبُلَدَاء



GMT 17:56 2021 الأربعاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تونس تعلن عن الترفيع في المنح وفي مقاعد الدراسة للفلسطينيين

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia