يسلط معرض استعادي افتتح مساء أول من أمس، في متحف بنك المغرب المركزي في الرباط، الضوء على أعمال الفنان التشكيلي المغربي الراحل عباس صلادي (1950-1992)، من أجل إعادة اكتشاف وتقييم مسيرة هذا الفنان المتميز.ويضم المعرض، المنظم تحت عنوان «صلادي»، نحو ستين لوحة، بعضها لم يسبق عرضه «تختزل خمسة عشر عاماً من العطاء المستمر، كما تفتح الباب أمام عالم خيالي حساس للغاية يجري فيه الاحتفاء بأشكال واقع لا يربطه بالحقيقة سوى المظهر، بذكاء يفوق التعريفات الكلاسيكية للتصوير».
ويشمل هذا المعرض الاستعادي الذي سيتواصل حتى 30 يونيو (حزيران) المقبل عدداً من الأرشيفات التي لم يتم نشرها من قبل، والتي تمنح مزيداً من المعلومات حول أهمية مسار صلادي، وهي عبارة عن أرشيفات صوتية فريدة وكاتالوغات ومنشورات جماعية مخصصة له، إضافة إلى كتب له (روايات وقصائد وحكايات)، وملصقات للمعارض التي شارك فيها، وكذا صور قديمة ونادرة للفنان، سواء بمفرده أو بصحبة أقاربه، علاوة على أغراض شخصية له، بصفتها شاهدة على عبقرية صاحبها.
وقال مدير متاحف بنك المغرب، رشدي البرنوصي، إن معرض الفنان الراحل صلادي «يدخل في إطار البرمجة الثقافية لمتاحف بنك المغرب التي تهدف إلى إبراز أكبر الفنانين التشكيليين المغاربة، والمساهمة في الحركية الثقافية التي تعرفها العاصمة الرباط، والمغرب بصفة عامة».
وأضاف البرنوصي، في تصريح صحافي، أن الراحل صلادي يعد من أكبر الفنانين التشكيلين المغاربة، مشيراً إلى أنه أعطى فناً تشكيلياً فريداً من ناحية المضمون والشخصية وطريقة الرسم، وكذلك من خلال الأدوات التي كان يستعملها.
وسجل أن هذا المعرض يحاول إبراز جزء من هذه الجوانب الفنية لصلادي، وذلك من خلال مسار تاريخي يبدأ من الإرهاصات الأولى للإنتاج الفني للراحل إلى وفاته، مضيفاً أن المعرض حاول تسليط الضوء على جميع التيارات والتأثيرات والأفكار التي انتابت هذا الفنان الذي كان يتميز بتصوراته الغيبية للعالم المحيط به.وأشار البرنوصي إلى أن اختيار صلادي يدخل في إطار استراتيجية متاحف بنك المغرب الرامية إلى تمكين الجمهور العريض من اكتشاف والتعرف على أكبر التشكيليين المغاربة وأعمالهم.
وحسب وثيقة وزعت بالمناسبة، ينقسم مسار معرض «صلادي» إلى ثلاث مراحل: تكشف الأولى (لحظة شاعرية «أواخر السبعينيات») عن المسار التشكيلي لصلادي من تطور بدايات الفنان شبه الساذجة نحو التعبير بطرق أكثر ذاتية. ففي أعماله الأولى، كان الواقع بصفته مصدراً للإلهام حاضراً يرافق شخصيات رائعة تنبض بالحياة في ساحة تجارية عامة محاطة بمتاجر تعرض مواد حرفية؛ كما تم تجسيد بنيان الأمكنة بشكل متطابق إلى حد ما. وفي اللوحات الموالية، تشرع المخيلة في تغيير الشكل والنبرة، حيث ستصبح الألوان أكثر بريقاً وذات حمولة رمزية.
وبخصوص المرحلة الثانية (تحليق الرالي «1980-1985»)، فقد وجد صلادي طريقه بصفته فنان مبدع، حيث قام بتحديد مجال تحرياته الأساسية والجمالية، كما جرد زخارفه المعمارية والنباتية وصقل مادته. هذا وقد اتخذت مورفولوجيا وعري شخصياته طابعاً خاصاً. وكل ما أنتج صلادي خلال هذه الفترة وما يليها كان أكثر توفيقاً، مما جعله يمر من بوابة كبيرة نحو أسرار خيالية مرصوفة برؤی خارقة للطبيعة.
أما بالنسبة للمرحلة الثالثة (التكريس «1986-1992»)، فتسلط الضوء على تجربة صلادي التي اكتسبت نضوجاً أكبر، خاصة ببراعة خطه التي لا تضاهي وبألوانه الحدسية المكيفة مع تشكيلاته، حيث تملك فناً صنفه في خانة الفنانين التشكيليين المغاربة الحداثيين. هذا وقد تميزت هذه المرحلة، رغم قصرها، بمزيد من الإنجازات الفنية ذات تقنيات عالية وتكتيكات سينوغرافية تنقل إلى الحلم، وتخاطب واقعاً خيالياً لعالم فوق طبيعي.وسيتوج هذا المعرض التكريمي بإصدار كاتالوغ يسلط الضوء على مسار وتنوع إنجازات هذا الفنان، وكذا بعرض شريط فيديو لشهادات مختلفة للأصدقاء والشخصيات الفنية والثقافية التي تعرف عليها صلادي أو التي كانت تتردد عليه.
يذكر أن صلادي من مواليد مراكش، وهو فنان عصامي لم يدرس الفنون التشكيلية قط. درس الفلسفة في جامعة الرباط، وهناك بدأت تنتابه بعض الأزمات العصبية، مما حال دون إكماله دراسته، لكنه بقي على اتصال بالحركة الطلابية والثقافية، رغم ميله إلى الانزواء وحيداً. وبعد أن نصحه أحد الأطباء النفسانيين بمحاولة الرسم للخروج من أزماته، بدأ يرسم لوحات عبارة عن كائنات غرائبية تحيل المشاهد إلى فضاءات «ألف ليلة وليلة».وأمام الحاجة وقلة ذات اليد وتكرار النوبات العصبية، اضطرت أخته إلى البدء في بيع لوحاته بساحة جامع الفنا بأسعار بخسة، إلى أن التقاها صدفة أحد المهتمين الأميركيين بالفن التشكيلي، فتعرف على صلادي، وبدأ يشتري منه لوحاته ويساهم في التعريف به. وقد شارك صلادي في كثير من المعارض بالمغرب، كما رسم أغلفة بعض الدواوين الشعرية أو بعض المؤلفات الأدبية.
وعقب وفاته، أصبح صلادي موضوعاً لعدة ندوات ودراسات حول «علاقة المرض النفسي بالإبداع الفني»، حيث انكب كثير من الباحثين على دراسة هذه الظاهرة. لكن حسب ما يقوله مقربون منه، فإن صلادي لم يكن مريضاً نفسانياً، بل كان يعاني من ورم دماغي كان السبب في تلك النوبات العصبية.وقد رحل صلادي عن هذه الدنيا الفانية وهو في ريعان شبابه، إذ لم يتجاوز عمره 42 ربيعاً.
قد يهمك ايضا :
عبد الله بافيل يفتتح قاعة العرض المرئي وقاعة الفنون التشكيلية بمتحف الجامعة
آخر معرض استيعادى نظمه قطاع الفنون التشكيلية للراحل ناجى شاكر
أرسل تعليقك