رام الله ـ وليد أبوسرحان
يحظى ملف خلافة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في قيادة حركة "فتح"، والسلطة الفلسطينية، باهتمام بالغ في الأروقة السياسية الإسرائيلية والأميركية، عشية انعقاد المؤتمر العام السابع للحركة، في آب/أغسطس المقبل لانتخاب لجنة مركزية جديدة للحركة.
ويشهد ملف خلافة عباس اهتمامًا واضحًا لدى إسرائيل وواشنطن، حيث كشفت مصادر إسرائيلية، عن "قيام الإدارة الأميركية ببحث ذلك الملف بشكل مُفصَّل.
وقالت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، الجمعة، أن "عباس يرغب في أن يتم عقد المؤتمر السابع لحركة "فتح" في أقرب وقت للنظر في إمكانية تعيين نائبًا له، بينما تخشى "فتح" ومقربون منه من أن ذلك يحدث فوضى كبيرة، وأن يستغل مقربون من القيادي المفصول محمد دحلان ذلك".
وأشارت الصحيفة، إلى "محادثات ووثائق أميركية، تشير إلى أن عباس بات متعبًا، وأن عائلته تمارس عليه ضغوطًا لترك منصبه، وأن الإدارة الأميركية ترغب في أن تجري انتخابات، تنظم مسألة خلافة أبومازن في حركة "فتح".
ووفقًا للوثيقة الأميركية، المُكوَّنة من ثماني صفحات، وسربتها جهات في وزارة الخارجية القطرية، فإن هناك محادثات "أميركية-قطرية"، أجريت منذ فترة طويلة، بشأن خلافة أبومازن، وأن هناك شبه إجماع على ضرورة أن تكون خلافة أبومازن في رئاسة السلطة ثلاثية، توحد حركتي "فتح" و"حماس"، وتشمل القيادي في فتح الأسير لدى إسرائيل مروان البرغوثي، ورئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، خالد مشعل، والقيادي الآخر في "فتح"، والذي تربطه علاقات قوية مع الأطراف الفلسطينية والعربية كافة، جبريل الرجوب.
وحسب الصحيفة، فإن الوثيقة تشير إلى جدال كبير بين الجانبين القطري والأميركي، قد جرى بشأن الشخصيات الثلاثة المذكورة، وإمكانية استطاعتها تحقيق الاستقرار على المستويات كافة، وتحقيق تفاهم مع إسرائيل، كما أن شعبية البرغوثي تراجعت، ولاسيما وأن له فترة طويلة في السجن.
وفي إطار الاهتمام الإسرائيلي بخلافة عباس نشر موقع nrg الإسرائيلي مقالًا مطولًا السبت، تحت عنوان "اليوم الذي يلي سقوط عباس..ثلاثة قادة للفلسطينيين".
وأشار المقال، إلى أن "هناك استعدادات في "فتح" لعقد مؤتمر عام جديد، بالتزامن مع تقدم عباس في السن، حيث من المقرر أن تجري انتخابات لاختيار قيادة جديدة للحركة، ومن سيحصل على المرتبة الأولى، سيعين لرئاسة اللجنة المركزية، وسيعين أمينًا عامًا للحركة، ورغم أن المنصب يبدو غير مهم وفارغ من المضمون إلا أنه يؤشر للشخصية التي ستصبح أكثر شعبية بعد أبومازن أو باختصار من سيرثه".
ووفقًا للكاتبة والمُحلِّلة الإسرائيلية فيزت ريفينا، "لا زالت مسألة وراثة عباس تعتبر أمرًا محرمًا، لا يجوز الحديث عنه، لكن أحاديث كثيرة تسري منذ فترة ليست بالقصيرة، رغم أن الحديث عن وراثة عباس، لم يعد أمرًا افتراضيًّا غير منطقي، ولاسيما وأن عباس بلغ 79 عامًا من العمر، مع إدمان على سيجارة "مالبورو"، وسجل طبي لا أحد يعلم عنه شيئًا، ولو لم تحدث عملية اختطاف المستوطنين التي احتلت عناوين الاهتمام والإعلام لكن أمر وراثة عباس هو سيد العناوين خلال الأسابيع الماضية، وهناك إشاعة سرت في الشارع الفلسطيني تقول؛ إن أحد المرشحين المحتملين لوراثة عباس سافر في جولة خليجية ليضمن لنفسه التأييد والدعم الخليجي".
أبومازن تعب إلى درجة رغبته في عقد مؤتمر "فتح" بأسرع وقت لانتخاب خليفة له، ولاسيما في ظل عدم إمكانية تعيين نائب له يحمل عنه بعض الأثقال اليومية، ومع الوقت تحول إلى شخصية يمكنها أن ترثه، لكن هناك من يتقدم خطوة ويتراجع أخرى في الطريق إلى المؤتمر، وهم قادة ورجال "فتح"، الذين يخشون من تحول المؤتمر إلى ساحة فوضى، ولاسيما خشيتهم من رد فعل أنصار محمد دحلان، على محاولة إبعاده وطرده من الحركة، ورد الفعل هذا لا ينتهي عن حدود تبادل الكلمات القاسية أو تبادل الكلمات والضربات، بل يتدهور إلى وضع وصورة غير متوقعة.
وقال محلل الشؤون العربية في القناة الثانية الإسرائيلية إيهو يعاري، في مقالة نشرته " Washington Institute for Near East Policy أن "الرئيس عباس قال بنفسه خلال محادثات أجراها مع كبار مسؤولي الإدارة الأميركية، أنه تعب، وأن أسرته تمارس الضغوط عليه لتقديم الاستقالة، وحتى إذا لم يتم تنظيم انتخابات يجب ترتيب قضية الوراثة؛ لأن مؤتمر "فتح" اقترب موعده، وتزامن إدخال زوجته إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية، وعملية اختطاف المستوطنين، تؤشر لما يشعر به أبومازن، الذي يعاني خيانة الزمن، وعضات "حماس" من الخارج، إضافةً إلى محمد دحلان الذي لا يتنازل، ورجاله مزروعين جيدًا في الميدان، ورغم وجوده بعيدًا في أبوظبي، وهنا يعلم أبومازن أن رجال الدحلان لن يتركوا مؤتمر "فتح" يمر بسلام وهدوء.
وإذا بدأت المعركة على وراثة أبومازن، وثارت الكثير من الأسئلة، هل سيعقد المؤتمر أصلًا؟ إذا كان الجواب نعم، من سيفوز بالمنصب الذهبي، سكرتير اللجنة المركزية؟ هل يكون مروان البرغوثي المعتقل في سجون إسرائيل أو ستحدث مفاجآت؟ من سيدخل ساحة المنافسة من بين الأسماء التي طرحت أخيرًا كورثة محتملين لعباس؟ هل سيعود أبوعلاء قريع؟ ماذا بالنسبة لجبريل الرجوب، وهو بنفسه أسيرًا محررًا، ولم يتردد عن التصريح بأن إسرائيل لا تفهم سوى لغة الاختطاف؟ هل سيحقق الرجوب المفاجئة رغم أن اسمه لم يطرح قط كوريث لعباس؟.
وتلك الأسئلة، تعيدنا إلى وثيقة مثيرة جدًّا، تسربت من وزارة الخارجية القطرية، في نفس يوم اختطاف المستوطنين الثلاثة، لذلك لم تحظِ بأي اهتمام، وتحتوي الوثيقة على 8 صفحات مُصوَّرة تحمل شعار وزارة الخارجية القطرية، وتتطرق للقاء وقع في بداية حزيران/يونيو بين جبريل الرجوب، وأمير قطر، ورغم غموض ظروف تسريب الوثيقة، يدور الحديث عن وثيقة حقيقية وأصلية، حسب ادعاء كاتبة المقال الإسرائيلية.
وكثرت زيارات جبريل الرجوب )62 عامًا) خلال السنوات الأخيرة إلى إمارة قطر، سواء ضمن مهام منصبه كرئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني، ورئيس اللجنة الأولمبية، وتلك المناصب التي تمنحه حرية حركة واسعة، وغطاء كامل يبرر زياراته الخارجية المتلاحقة، وبحث مساءلة سياسية حساسة، وليس هذا فقط، فمن هو نائب الرجوب في مناصبه السابقة، إنه ابن إسماعيل هنية، عبد السلام هنية، حيث نشأت خلال السنوات الأخيرة كيمياء خاصة بين الرجلين، منحت الرجوب فرصة لعب دور الجسر بين "فتح"، و"حماس"، وتلك حقيقة لم تكن خافية على أمير قطر، والإدارة الأميركية.
وتظهر الوثيقة المسربة وجود حوارات طويلة منذ فترة ليست بالقصيرة، بين أمير قطر والإدارة الأميركية، تتعلق بمن سيرث محمود عباس، ويفضل الأمريكان صيغة قيادية تبتعد عن الوريث الوحيد، بل حكومة أو قيادة ثلاثية، تربط بين "فتح" و"حماس" وفقًا للوثيقة، فإن الثلاثية التي تتحدث عنها الإدارة الأميركية، تتكون من جبريل الرجوب، وخالد مشعل، ومروان البرغوثي، وهو الأسير رقم واحد في إسرائيل، ويمثل رمزًا فلسطينيًّا كبيرًا.
وقال أمير قطر لضيفه الفلسطيني جبريل الرجوب، وفقًا لمحضر اللقاء، "اقترحت مستشارة الأمن الأميركي، سوزان رايس، على مبعوث الأمير، غانم القبيسي، أن تتفق قطر مع إسرائيل على القضايا الرئيسة، ومن ثم تطرح فكرة القيادة الثلاثية الفلسطينية".
ووفقًا للوثيقة؛ التقى رئيس المخابرات القطرية، القبيسي، مع رئيس المخابرات المركزية الأميركية، جون بيرنر، وبحث معه موضوع القيادة الثلاثية، وهي فكرة وصفها بـ"الخلاقة"، لكن الرجوب، قال لأمير قطر؛ بأنها "فكرة أميركية مُشوَّهة؛ لأن مروان البرغوثي لا يمكنه تسويق البضاعة".
والمشكلة أن الأميركان يعتقدون بأنهم يعرفون كل شيء، وشعبية مروان البرغوثي تتراجع في الشارع الفلسطينية، بسبب اعتقاله المتواصل، وحتى وإن تم إطلاق سراحه، فإنه سيفقد بسرعة موقعه كبطل فلسطيني، المشكلة مع الأميركان أنهم يصغون أكثر من اللازم لفدوى البرغوثي.
ووفقًا لكاتبة المقالة، ما يزعج جبريل الرجوب، ليس مروان البرغوثي، بل محمد دحلان، الذي لا يفارق خياله الرئيس عباس، وهنا قال الرجوب لأمير قطر، "محمد دحلان بات من التاريخ، لكنه لا يزال يتمتع ببعض الصلاحيات والأنصار في الميدان، الذين اتصلوا بي أخيرًا، طالبين مني حمايتهم، لكن رفضت، وأنا من ناحيتي، أطالب أبومازن بطرد مؤيدي دحلان من الحركة، حتى لا يتمكنوا من خوض الانتخابات المتوقعة في مؤتمر "فتح" المقبل، ولن أتحدث معهم قبل أن يحولهم أبومازن إلى مرتبة الصفر".
وبالفعل قرر أبومازن نهاية أيار/مايو الماضي طرد خمس من كبار مؤيدي دحلان، بحجة أنهم يخلقون حالة من الانقسام والانشقاق في الحركة، بينهم؛ سفيان أبوزايدة، ورشيد أبوشباك، وهنا لم يستطع الرجوب تمالك نفسه، وقال؛ إن "الدحلان منشغل بتدبير المؤامرات ومحاولات الاغتيال".
وفي نهاية مقالها، قالت الكاتبة الإسرائيلية، "استنتجت ثلاثة أمور من الوثيقة القطرية؛ الأول أو الأكثر أهمية هو نوع الأفكار التي ينضجها وتنضج في أروقة البيت الأبيض، في ما يتعلق بقضية وراثة عباس، والتعامل مع خالد مشعل، كشريك محتمل في الرئاسة الثلاثية، والأمر الثاني، يتمثل في تعيين نائب للرئيس عباس، الأمر المتوقع أن يتحول إلى موضوع ساخن على جدول الأعمال اليومي، وأخيرًا، وكما يعلم كل عاشق لـ"المونديال"، فإن كرة القدس والسياسة، تسيران جنبًا إلى جنب بشكل جيد، وبما أن الوثيقة لم تدفن مطلقًا احتمالية عودة الرجوب السياسية، فإنه قد يُحقِّق مفاجئة".
أرسل تعليقك