لم تعد سياسة الباب المفتوح لأنجيلا ميركل بخصوص اللاجئين في ألمانيا مرحبًا بها بعد وقوع أربع هجمات وحشية من قبل مسلمين متطرفين هذا الأسبوع. فالموقف تجاه السوريين الذين يطلبون اللجوء قد ضعف بعد أن فجر الانتحاري، محمد دليل من تنظيم "داعش" نفسه خارج حانة في السوق البافاري الهادىء في قرية آنسباخ الألمانية.
أعمال عنف حدثت في أربعة ايام جعلت الألمان يشعرون بالضعف والخوف. استطلاع جديد للرأي اظهر أن 83 في المائة من الألمان يرون أن الهجرة هي أكبر تحدٍ لبلادهم. فلا يزال أكثر من 200 ألف من طالبي اللجوء الذين تم رفض طلبهم متواجدين في البلاد - والعديد من الألمان يلقون باللوم على ميركل بسبب ترحيبها بأكثر من مليون لاجئ في البلاد العام الماضي دون تحريات كافية.
وقد لخصت أم لطفلين تدعى آنا ليسنر، الحالة التي تجتاح ألمانيا قائلة إنها تخشى الآن على سلامة أطفالها. فلقد أثبت التفجير الانتحاري أننا لا نعرف لمن وجهت الدعوة"، تقول ليسنر البالغة من العمر 47 عاما والتي تعيش في مدينة "إنغولشتات" الواقعة على نهر الدانوب، جنوب ألمانيا. وتضيف لذا "علينا أن نتحلى بالإنسانية وأننا كنا على حق في قبول اللاجئين ولكننا الآن ندرك أننا لا نعرف من أين جاءوا وماذا سيفعلون."و "كان ينبغي بذل المزيد من التحريات قبل السماح لأي شخص باللجوء."
بدأ الأسبوع الدموي الذي هز ألمانيا يوم 18 يوليو/تموز عندما قام المراهق الباكستاني رياض خان أحمد زاي، 17 عاما، متظاهراً بأنه لاجئ أفغاني، مهاجمة ركاب قطار في فورتسبورغ بواسطة فأس مما أسفر عن اصابة خمسة. تم قتل منفذ الهجوم من قبل الشرطة.
وبعد أربعة أيام قام الشاب الألماني الإيراني علي سنبلي بقتل تسعة اشخاص في مركز للتسوق في ميونيخ وذلك قبل أن يقتل نفسه. وادعى سنبلي ان السبب وراء الحادث هو الانتقام من المضايقات التي تعرض لها في المدرسة مع تأكيده لعدم وجود دافع سياسي للحادث.
بعد ذلك بيومين، قام لاجئ سوري، عمره 21 عاماً، بمهاجمة امرأة حامل حتى الموت في "ريوتلنغن"، وفي نفس الليلة قام دليل، 27 عاماً، باصابة 12 شخصاً بعدما فجر حقيبة معبأة بشظايا معدنية ومسامير.
وقام دليل بالهجوم نيابة عن تنظيم "داعش" الارهابي مخططاً لقتل المئات بتفجير قنبلة خلال مهرجان موسيقي. ولكن تم احباط عملية التفجير بعد أن رفض حارس الأمن "باسكال بوم" دخوله، وبدلاً من ذلك قام دليل بتفجير قنبلته خارج حانة للنبيذ.
وأمس الابعاء اقتحمت عصابة من ستة رجال حمام سباحة الماني وهم يهتفون "الله أكبر".
اعضاء العصابة قاموا بالبصق على النساء والأطفال لأنهم كانوا يسبحون في العري، واصفين جميع الإناث ببلدة غيلدرن "بالعاهرات". وقد ثارت مخاوف لأول مرة عن تدفق اللاجئين في بداية العام عندما تعرضت مئات النساء للاعتداء الجنسي من قبل "عصابات من الرجال الأجانب" في مدينة كولونيا خلال احتفالات العام الجديد.
وقد أدت الحوادث هذا الأسبوع الى توجيه دعوات من قبل سياسيين لميركل من اجل استعادة السيطرة على الحدود وخفض معدلات الهجرة. وتقول القيادية في الحزب اليساري الالماني، سارا فاغنكنيشت أن بيان المستشارة الالمانية (يمكننا التعامل) هو السبب وراء فتح حدود البلاد للفارين من مناطق الحرب. وتضيف فاغنكنيشت أن "استقبال عدد كبير من اللاجئين والمهاجرين يصاحبه مشاكل كبيرة."
واعترف احد النواب الموالين لميركل بأن ألمانيا لا نستطيع السيطرة على عدد من المهاجرين الذين يعبرون حدودها، مصراً على أن البلاد بحاجة إلى استعادة سيادتها. ويصف ستيفان ماير الهجرة "بالتحدي الكبير" لإنفاذ القانون، قائلاً ان الحكومة غير قادرة على المراقبة. ويقول "لابد من استعادة سيادة البلاد واستعادة احكام الحقوق، هناك مجالاً للتحسن". "لم نكن قادرين على مراقبة جميع المهاجرين الذين عبروا الحدود الألمانية".
وقامت "ميل اونلاين" بزيارة قرية ومدينة وبلدة لقياس حالة الناس بعد حدوث الهجمات الإرهابية. وفي نورمبرغ، واحدة من أقدم المدن في ألمانيا، تقول النساء اللواتي تمت مقابلتهن انهن الآن يخشون على سلامتهم. "ان ما حدث لامر فظيع واعتقد انه بعد التفجير الانتحاري الذي قام به لاجئ سوري لابد من أن يتم التحقق منهم"، تقول لينا كيلايت البالغة من العمر 26 عاما. "أعتقد أنها ستكون مشكلة كبيرة. كنت من اللاجئين الذين سُمح لهم بدخول ألمانيا كوني من ليتوانيا، ولكن علينا أن نعرف من أين أتوا وإن كانوا جاءوا الى هنا كونهم يريدون ذلك."
ويقول رجل الاعمال اوليفر شول ماير،37 عاما، انه يشعر بالاشمئزاز من سياسة الباب المفتوح لميركل مؤكداً على ضرورة تغييرها. ويضيف "قيل لنا انهم يفرون من الحرب، ولكنه اصبح من الواضح الآن انهم جاءوا هنا لاسباب اقتصادية" و"لم يكن هذا سبب فتح الحدود. وأعتقد أن المشكلة سوف تخرج عن السيطرة ".
ويقول اريك بوهانسكي، الذي عمل في خدمات سيارات الأجرة الخاصة بالسياح، أن الهجرة غير المنضبطة في ألمانيا خلقت العديد من المشاكل. ويشير بوهانسكي انه معجب ببريطانيا بسبب تصويتها للخروج من الانحاد الاوروبي من أجل تأمين السيطرة على حدودها. ويضيف "لقد قام الشعب البريطاني بعمل جيد للوقوف في وجه بروكسل وأولئك الذين يمكن أن يأتوا إلى بلادهم" و"نحن نتجه صوب المشاكل هنا، ولكن أتمنى فقط عدم حدوث أي هجمات أخرى." "وأضاف: أن المشكلة تكمن في عدم معرفة الذين يتم السماح بدخولهم وماذا يمكن أن يفعلوه".
مدينة نورمبرغ، موقع التجمعات الحزبية النازية والمحاكمات في نهاية الحرب العالمية الثانية، يبلغ عدد سكانها 500 ألف نسمة ثلثهم من المهاجرين. وتعد نورمبرغ أقرب مدينة إلى آنسباخ حيث توفي الدليل مساء الاحد في محاولته الفاشلة لقتل المحتفلين في حفل موسيقي.
وتشتهر المدينة بسوق عيد الميلاد الذي يجذب أكثر من مليون زائر سنويا. يقدر اعداد الاجئين في المدينة بالآلاف. هى أيضاً موطن لواحدة من أكبر الجامعات في ألمانيا جامعة إرلنغن نورمبرغ حيث يدرس فيها ما يقرب من 40000 طالب وطالبة.
الشباب في المانيا هم أكثر المؤيدين لقرار ميركل بالسماح لمليون لاجئ دخول البلاد. لكن يقول الكثيرون الآن ان حكومة ميركل لم تفعل ما يكفي لللاجئين من اجل مساعدتهم في الاستقرار ببلد جديد وأن عدم وجود تلك المساعدات ادى الى حدوث أعمال العنف الحالية. ويعتقدون أن كثيرًا من الناس يأتون إلى هنا وقد مروا بوقت عصيب، وهذا خطأ من الحكومة،" وتقول الطالب البالغة من العمر 21 عاماً، إيزايبل بليشنر."انهم لا يرون أي أمل وهذا هو السبب وراء انضمامهم إلى جماعات مثل "داعش". ينبغي القيام بمساعدتهم والا سوف يكون هناك المزيد من الهجمات." "ما حدث خلال الأسبوع الماضي جعلني خائفة. أريد أن أشعر أنني يمكن أن أمشي في الشارع بأمان ولا أقلق من ان يتم تفجيري ".
على بُعد 40 دقيقة بالسيارة من الريف البافاري تقع مدينة كبفنبرج التي تعد وجهة شعبية لدى السياح الذين يزورون القلاع.
دومينيك باور، الذي يعمل في مقهى في وسط المدينة، يشدد على ضرورة عدم السماح بدخول المزيد من اللاجئين إلي البلاد. ويقول "يجب أن يتوقف هذا الوضع الآن، لم اتفق ابداُ مع قرار ميركل للسماح بدخول مليون لاجىء وها نحن نشهد الآن المشاكل التي تسبب بها هذا القرار"، "أنا لا أحب ما فعلته ميركل للبلاد. كانت خاطئة بالسماح للاجئين ان يأتوا الى هنا. هى تخرب ألمانيا."
ويقول المدرس فيليب فوكس، 31 عاماً، انه قد أيد قرار فتح أبواب المانيا لمساعدة المحتاجين، ولكن مثل كثيرين قال انه يشعر بالقلق من أن لا يتم التحقق من هؤلاء الاشخاص." ويضيف فوكس "سيكون من الخطأ أن نقول أن كل اللاجئين السوريين إرهابيون لأنهم ليسوا كذلك، ولكن من الإنصاف أن نقول أننا لا نعرف من هم." "لا شك أنه كان لابد السماح لهم بالدخول، ولكن هناك المزيد مما يتعين القيام به للحصول على المعلومات المتعلقة بهم. فوجئت بأنه لم يحدث ذلك ونحن الألمان جيدين في ملىء الاستمارات ".
في العام الماضي، منع ملهى ليلي بمدينة إنغولشتادت دخول اللاجئين بعد أن تعرض عدد من النساء للاعتداء. وقام المجلس المحلي للمدينة بتقديم مرشدين من شأنهم مساعدة الرجال وتعليمهم كيفية التصرف تجاه المرأة في الملاهي الليلية. وتسبب الحادث في احداث حالة من الغضب كما قال نشطاء حقوق اللاجئين انه انتهك القانون ألالماني الذي يحظر التمييز على أساس العرق، الجنس، الدين أو التوجه الجنسي.
البلدة التي يبلغ عدد سكانها 127 الف نسمة، كانت واحدة من أولى محطات المهاجرين القادمون الى ألمانيا عبر دول مثل المجر. هناك ما يقدر ب 4000 من طالبي اللجوء في المدينة التي تقع على نهر الدانوب. وتقول الطالبة صوفيا ستيغلر،21 عاما، ان لديها أصدقاء تعرضوا للمضايقات من قبل اللاجئين، مضيفة انه منذ عملية التفجير وأعمال العنف الأخرى لم يعودوا يشعروا بنفس بالدفء تجاه الوافدون الجدد."لقد كانت لدينا مشاكل مع اللاجئين وأنه من الصواب أن تقوم أنجيلا ميركل بمراجعة سياستها التى تسمح بدخول لاجئين أكثر الى البلاد."
وتضيف صديقتها تافي جايس، مساعدة مبيعات: "أنا من أكبر المعجبين بميركل، ولكن أعتقد أن معظم الناس في ألمانيا الآن يقولون لها كفى."وتقول أن ليسنر، لديها أبناء في سن 18 و19 عاماً، انها تخشى الآن عندما يحضر ابنائها المهرجانات الموسيقية بعد التفجير الانتحاري الفاشل. "كأم أنا الآن خائفة على سلامة أطفالي. نحن في الصيف وهم يريدون الذهاب إلى المهرجانات والسفر على متن القطار." "وجود كل هؤلاء اللاجئين هنا لا يجعل البلاد آمنة بعد الآن. أنا متأكد من أن معظم الشعب السوري لطيف جدا، لكن الامر يحتاج شخص واحد فقط للقيام بالضرر ".
أرسل تعليقك