تونس -تونس اليوم
لا تزال أزمة الهجرة تؤرق المسؤولين في تونس، خاصة مع تفاقم أعداد الشباب الذين يفكرون في مغادرة البلاد بحثا عن أفق أوسع وأفضل تؤمنه لهم الدول الأجنبية.
وكشف المسح الوطني للهجرة، الذي أنجزه المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع المرصد الوطني للهجرة وبدعم من المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، أن نحو 20 في المائة من التونسيين الذين فاقت أعمارهم 15 سنة يفكرون جديا في الهجرة، بما يمثل 1 مليون و700 ألف تونسي. وكشف المسح، أن 14% من هؤلاء شرعوا في القيام بخطوات فعلية لمغادرة البلاد، سواء بالبحث عن الحصول على التأشيرة أو تعلم لغات أجنبية أو طرق الإقامة بالخارج وخاصة الدول الأوروبية التي تربطهم بها علاقات أسرية أو علاقات صداقة.ولفت التقرير الوطني إلى أن السواد الأعظم من المواطنين الذين يريدون الهجرة هم من الفئات العمرية التي تتراوح بين 15 و24 سنة.
وبحسب المسح، فإن عدد المهاجرين التونسيين بلغ حاليا 566 ألف شخص، ثلاثة أرباعهم يقيمون بدول أوروبية وأساسا فرنسا وإيطاليا وألمانيا. وغادر نصف المهاجرين من أجل البحث عن عمل وتحسين دخلهم، بينما كان التجمع الأسري السبب الرئيسي لمغادرة ثلثي المهاجرات.
غياب أو ضعف الفرص المهنية
وتعليقا على نتائج المسح الوطني حول الهجرة، قال الناشط السياسي والأكاديمي طارق الكحلاوي، إن الأرقام المعلن عنها ليست بالمستغربة، وأن الهجرة تحولت منذ سنوات إلى حل رئيسي للشباب الذي عجزت الدولة عن احتوائه خاصة حاملي الشهادات العليا. وبيّن أن السبب الأساسي للهجرة يتمثل في غياب أو ضعف الفرص المهنية، وتابع "يتخرج من تونس مثلا آلاف المهندسين وذوي الخبرات ولكنهم يختارون العمل في دول أجنبية على العمل في بلادهم، إما بسبب قلة فرص الشغل أو نتيجة ضعف المردودية المادية لمواطن العمل المتاحة، والتي تكون ضعيفة جدا مقارنة بما يمكن كسبه في الأسواق الخارجية". ولفت إلى أن السبب الثاني للهجرة، يتمثل في رغبة العديد من المواطنين وخاصة من فئة الشباب في تأسيس عائلات خارج تراب وطنهم لضمان مستقبل أبنائهم.ونبه الكحلاوي من تزايد منسوب الهجرة خاصة في الاختصاصات التي تنفق عليها الدولة وخاصة منها الطب والهندسة، معتبرا أن هجرة الكفاءات هي خسارة كبرى للدولة التونسية وللمالية العمومية.
وأضاف "في السبعينات، كانت الدولة التونسية تفرض بالقانون على خريجي الجامعات العمل في بلدهم وتمنعهم من السفر للامتهان في الخارج، ولكن اليوم أصبح الوضع مختلفا، فالدولة عاجزة عن ضمان فرص العمل المناسبة في السوق المحلية، لذلك لا يمكن للحل أن يكون جزريا".
وبيّن أن الحل المطروح بعيد المدى وهو تحسين ظروف العمل داخليا، أما الحل القريب المدى فيرى الكحلاوي أنه يتمثل في دخول الدولة على خط الهجرة من خلال تنظيم عملية الهجرة خاصة لحاملي الشهادات العليا وأن لا تتركها في مسار عشوائي، مشيرا إلى أن بعض الشركات الخاصة تستثمر في الكفاءات التونسية وتتلقى أموالا لقاء توجيهها إلى السوق الخارجية.
من الجهة الأخرى، يرى الكحلاوي أن الهجرة لها بعض المحاسن، إذ أن جزء مهما من المداخيل العامة للدولة متأتية من التحويلات المالية بالعملة الصعبة لعمال تونس بالخارج.
نزيف الأدمغة ويبقى إيقاف نزيف هجرة الأدمغة التحدي الأكبر الذي عجزت جل الحكومات التونسية التي تعاقبت على الحكم بعد الثورةعن إيقافه. وفي الإطار، أكد عميد المهندسين كمال سحنون لـ"سبوتنيك"، أن 39 ألف مهندس تونسي غادروا البلاد خلال الست سنوات الأخيرة، بعد أن كونتهم الدولة التونسية وأنفقت عليهم المال الكثير. ولفت إلى أن تونس تنفق 100 ألف دينار (34.83 ألف دولار) في سبيل تكوين مهندس واحد ، بما يعني أنها خسرت إجمالا 3900 مليون دينار تونسي نتيجة لهجرة مهندسيها.وأضاف "المهندس هو من يخلق الثروة لبلده، وبالتالي فإن هجرة هذه الكفاءات تسحب من الدولة فرصة تنمية البلاد وتطويرها وتمنحها لبلدان أخرى".
وقال سحنون إن السبب الأول الذي يدفع المهندسين إلى مغادرة بلادهم والعمل في الخارج هو تدني أجورهم في تونس، قائلا "أجر المهندس التونسي هو ربع أجر المهندس المغربي ونصف أجر المهندس الأردني، وهي بلدان مشابهة لتونس". واستحضر سحنون كيف طلب ملك المغرب الحسن الثاني في السبعينات من مكاتب الاستراتيجيات المغربية أن ينجزوا دراسة حول سبل تنمية البلاد، وكان من بين مخرجاتها إعلاء دور المهندسين.
ظروف غير ملائمة
وقال سحنون إن السبب الثاني لهجرة الكفاءات والمهندسين هو الوضعية المهنية الهشة، مشيرا إلى أن المهندس لا يجد مقامه المهني من الترقيات والتواجد في المؤسسات المملوكة للدولة. واعتبر أن ظروف العمل غير الملائمة هي من تطرد المهندسين وتدفعهم دفعا إلى الهجرة إلى الخارج. ويرى سحنون أن المطلوب من الدولة التونسية هو أن تغير المنوال الاقتصادي الذي يجب أن يكون مبنيا على المعرفة ويعطي قيمة للكفاءات الهندسية وغيرها، على عكس المنوال الحالي. وأوضح "في تونس، هناك 8 مهندسين على ألف مواطن تونسي، وهو عدد يعتبر ضعيفا مقارنة بدول أخرى مثل الأردن التي تضم 18 مهندسا على كل ألف فرد، وفرنسا التي تضم 15 مهندسا على كل ألف فرد، وقال إن الاشكال ليس في عدد المهندسين وإنما في ضعف المنوال التنموي". يذكر أن تقرير المسح الوطني حول الهجرة قد أظهر تسارعا في نسق هجرة أصحاب الشهادات العليا، إذ غادر 39 ألف مهندس و3300 طبيب البلاد بين سنتيْ 2015 و2020 للحصول على عروض عمل بالخارج.
قد يهمك ايضا
تفاصيل توضح عمليات ترحيل مكثّفة من إيطاليا لمهاجرين تونسيين
مصير مجهول للمفقودين في الهجرة غير النظامية وعائلاتهم تطالب بالحقيقة
أرسل تعليقك