برازيليا - رامي الخطيب
يشعر البرازيليون بالكراهية تجاه الأولمبياد إلا أن الكراهية اختفت عندما هتف المتفرجون "حنان دكا" (12 عامًا) اللاجئة السورية التي جاءت مهرولة خلال عاصمة البلاد برازيليا والشعلة الأوليمبية في يدها، وذكرت حنان التي انتقلت إلى البرازيل العام الماضي من مخيم للاجئين في الأردن للصحافيين " اليوم لا أشعر أنني لاجئة ولكن مثل أي امرأة برازيلية تحملا لشعلة"، وعندما ناقشت أوروبا والولايات المتحدة بغضب دعوات استقبال أعداد أكبر من اللاجئين فإن قرار جعل حنان حاملة الشعل أبرز دور البرازيل غير المألوف كملاذ لطالبي اللجوء السوريين، واعترفت البرازيل بنحو 2300 لاجئ سوري وفقًا للجنة الوطنية الحكومية لشؤون اللاجئين، وأفاد المسؤولون أنه مع اصدار 6400 تأشيرة للسوريين يتوقع ارتفاع الأرقام إلى حد كبير، وعلى عكس ما حدث في الولايات المتحدة حيث أصبح احتمال إعادة توطين اللاجئين السوريين موضع استقطاب سياسي إلا أنه هناك ترحيب كبير بهذا التدفق في البرازيل.
وتنتمي جذور عائلات نحو 3 مليون برازيليًا إلى مهاجرين سوريين بدأوا يتوافدوا في بداية القرن العشرين، ما ساعد من عدم تعرض البرازيل لعنف المتطرفين الإسلاميين الذين روعوا أوروبا والولايات المتحدة، وأصبحت حنان صاحبة الابتسامة شبه الدائمة محبوبة من قبل وسائل الاعلام البرازيلية ما يعد نقطة مضيئة لدى الشرطة الوطنية المتعثرة خلافا للتحضير للألعاب الأوليمبية، وكان الأشهر الأولى لها في البرازيل سهلة، وتابعت حنان " لنكون صادقين قبل أن أتي إلى هنا لم أكن أعرف أن هناك بلد تسمى البرازيل وعندما اكتشفت أننا قادمون هنا افترضت أن الناس سيتحدثون العربية".
وحضرت حنان في مدرسة محلية لكنها كانت منبوذة من قبل زملائها الذين لا يستطيعون لماذا لا تتكلم البرتغالية، لكنها تركت المدرسة بعد شهرين، ولكن بعد 6 أشهر أصبحت اللغة البرتغالية الخاصة بها طليقة، وعادت للصف مرة أخرى وأوضحت حنان أنه بعد توضيح المعلم أنها لاجئة فُتن بها الطلاب، وأضافت حنان " الأن لدى العديد من الأصدقاء البرازيليين"، وأعربت حنان عن رغبتها في أن تصبح طبيبة أو مصففة شعر، وأفاد وزير العدل البرازيلي يوجين اراغون في يونيو/ حزيزان قبل أن يغادر مكتبه أن البرازيل ستكون مفتوحة لاستقبال ما يصل إلى 100 ألف لاجئ سوري في مجموعات مكونة من 20 ألف سنويا على الرغم من أن مستقبل هذه الخطة غير مؤكد، وكان هناك القليل من المعارضة الشعبية لبرنامج المسار السريع الذي يوجه السفارات البرازيلية إلى إصدار تأشيرات إنسانية للسوريين بعد فترة وجيزة من وصلهم، حيث يتسلم اللاجئين تصاريح عمل وبطاقات هوية وطنية تتيح لهم الحصول على نظام الرعاية الصحية في البرازيل، ولكن في ظل تزايد البطالة وعجز الميزانية فالشهامة البرازيلية لها حدود، حيث يجب على الحاصلين على التأشيرة دفع سعر تذكرة الطيران الخاصة بهم إلى البرازيل، وتتيح الحكومة تأييد كبير لدى وصولهم.
وتواجه حنان وعائلتها سيلا من الصعوبات منذ وصولها قبل 18 شهرًا، وتضم عائلتها 11 من أقاربها ووالديها واثنين من أشقائها ويتقاسمان شقة بها غرفة نوم واحدة في Glicério وهو حي موبوء بمرض جلدي وسط ساو باولو، وينام البالغون على أسطول من 4 أرائك في غرفة معيشة صغيرة بالشقة، ويقضي والدها خالد دكا (40 عاماً) الذي كان يعمل في مكتب صرافة في سورية يومه في العمل في فرن في مصنع لقطع غيار السيارات، أما شقيقها مصطفى (16 عامًا) يعمل 7 ايام أسبوعيا في بيع اكسسوارات الهاتف المحمول، بينما قالت والدتها يسرا (35 عامًا) " إذا بقينا في سورية كنا سنموت".
وبيّن القس باولو بريس مدير دراسات الهجرة في ميساو باز التي توفر مساكن مؤقتة للاجئين الذين وصلوا حديثا أن العديد من السوريين يواجهون عقبات مماثلة في البرازيل، وعلى الرغم من أنهم متعلمين تعليما عاليا إلا أنهم يكافحون في العثور على فرص عمل تناسب مهاراتهم، كما أنه من الصعب بالنسبة لهم العثور على ضامن مالي وإيجار لمدة 3 أشهر وفقا لما يطلبه الملاك قبل توقيع عقد الإيجار، وأضاف بريس " بمجرد خروجهم من المأوى لا يعتمد اللاجئين على أي برنامج اتحادي لمساعدتهم في العثور على مكان للعيش"، وينتهي الحال بالكثير من اللاجئين في تقاسم شقق ضيقة مع لاجئين آخرين، فضلًا عن اعتمادهم على المنظمات غير الربحية للمساعدة في توجيههم خلال العالم الذي يحمل بعض الشبه بالعالم الذي تركوه ورائهم.
وأبرز المتحدث باسم مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لويس فرناندو غودينهو "جميع اللاجئين الذين تحدثت إليهم يشعرون بالامتنان للغاية لأنهم تركوا الوضع الكئيب الذي كانوا يعيشون فيه ووضعوا أنفسهم في بلد مسالم حيث يمكن التعايش بين الأديان"، وفي بداية الحرب الأهلية في سورية عاشت عائلة دكا في إدلب والتي كانت مسرحا للقتال العنيف بين الثوار والقوات الموالية للحكومة، وفي وقت مبكر ساعد السيد دكا أصدقاء للهرب من العنف المتصاعد، إلا أنه ألقي القبض عليه وتعرض للتعذيب على يد قوات الأمن الذين اتهموه بالاتجار بالبشر، وافرج عنه أحد القضاة بعد ما يقرب من عام في السجن، وقرر مغادرة البلاد مع عائلته بعد أن علم أن كل من السلطات والمتشددين يريدون موته، وبعد 3 أشهر من المغادرة وجدوا أن الحكومة السورية وجهت حملة قصف لحيهم السابق ما أسفر عن مقتل العشرات من السكان.
وانطلقت العائلة بالسيارة ومروا على 16 نقطة تفتيش عسكرية وعبروا الحدود إلى الأردن، وعاشت الأسرة لمدة عامين ونصف في كوخ في مخيم الزعتري للاجئين حيث لم يسمح للكبار بالعمل ، وكانت حنان تقضي 40 دقيقة للوصول إلى المدرسة التي قدمت القليل من التعليم، وأضافت حنان " عندما لم تكن المعلمة تضربنا كانت تجلس في الجزء الأمامي لتضع المكياج"، وتقدمت الأسرة للحصول على تأشيرات برازيلية في العاصمة الأردنية عمان عقب وصول شقيق السيد دكا الأصغر إلى هناك في وقت سابق، وتابعت حنان " كنت متحمسة جدا عندما سمعت أننا ذاهبين إلى البرازيل لأنها ستكون المرة الأولى التي أستقل فيها طائرة".
وأحب والدة حنان أيضا البرازيل على الرغم من أن الكثيرين لا يألفون الإسلام أو سورية، حيث يوقفها المارة الفضوليين أحيانا في الشارع ليسالوها عن الحجاب، وأضافت والدة حنان " هنا يمكنك الذهاب إلى مسجد أو كنيسة ولا أحد يهتم ولا أحد يضحك عليك في البرازيل يمكنك فعل أي شيء تريد"، وأختيرت حنان لتكون حاملة الشعلة بعد أن أرسلت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة اسمها للجنة المنظمة للأولمبياد، وتابعت حنان " أتمني أن يدرك العالم أن اللاجئين أناس طيبون"، إلا أنها إشراقتها غابت عندما تذكرت موطنها السابق قائلة " لا أذكر أي شيء جيد عن سورية، ولن أعود إلى سورية مطلقا، أرى نفسي أكبر هنا وأصبح برازيلية".
أرسل تعليقك