تشهد مدينة رام الله العاصمة الحالية المؤقتة لدولة فلسطين والتي تقع على بعد ساعة شمال القدس المحتلة، طفرة إنشائية معمارية أكبر من أي مدينة فلسطينية أخرى في الضفة الغربية. تجوَّل في شوارع رام الله في أي يوم من أيام الأسبوع، تجد أن صوت الأذان من مساجد المدينة يغطيه صوت البناء، في حين يأخذ الغبار المتصاعد من الأساسات الجديدة طريقه إلى المنازل.
يلعب موقع رام الله دورًا كبيرًا في أسعار العقارات فيها، لكن عدم إحراز تقدم في مفاوضات السلام بين "إسرائيل" وفلسطين أعطى الأسعار دفعة ارتفاع إضافية. وتقول سحر قواسمي، الشريكة في تأسيس "شركة الساقية" ومديرتها: "مع تضاؤل آمالنا في أن تصبح القدس عاصمتنا لتصل إلى الصفر، فإن الكثير من الناس يهتمون بالاستثمار الآن في رام الله".
لكن بناء مجمعات سكنية جديدة ومراكز تسوق مبهجة يأتي بتكلفة، وفقا للمعماريين المحليين. قبل ربع قرن كانت رام الله تتفاخر بامتلاك 832 منزلاً تاريخيا، ولا يزال 380 منزل منها فقط قائمة. دار آل حرب كان آخر منزل هُدِم، حيث تم تدميره في شهر أغسطس/آب الماضي، وسيتم استبداله قريباً بمجمع تسوق جديد يسمى "سنترو مول"، حيث ستباع فيه العلامات التجارية العالمية ويتوفر فيه مراكز الترفيه.
ويعتقد يوسف درطة، الذي يعمل في شركة للحفاظ على مواقع التراث المعماري وتجديدها في رام الله، أن دار حرب كانت في السابق مرفقًا لفندق "غراند". وقد بُنيت دار حرب في عام 1924، وكانت يُعتبر المكان المفضل للعاهل الأردني الراحل الملك حسين عند زيارته فلسطين. ويقول درطة: "في حالة دار حرب، كان بإمكانهم بسهولة إبقاء الواجهة ودمجها في مجمع (سنترو مول)، دون لمس أصالة المبنى"، "يمكنك الاحتفاظ بالتاريخ واستخدامه لوظيفة حديثة والغرض الذي تريده."
قبل هدم دار حرب، قام مهندسون معماريون مثل درطة والقواسمي بالتنسيق مع نشطاء محليين للاحتجاج في الموقع، ولكنهم فشلوا في التأثير على البلدية التي أصدرت التصاريح اللازمة، هُدِم المبنى خلال الليل دون أي شهود.
بالنسبة للقواسمي، فإن هدم المباني التاريخية لإفساح المجال أمام الانشاءات الجديدة هو أمر "مؤلم"، "يمكنك أن تسير في الشارع وتشعر وكأنك فقدت شيئا فجأة، في بعض الأحيان لا تتذكر حتى كيف يبدو المبنى، ولكن التأثير على الحالة النفسية كبير"، "إذا كانت المدينة تتحدث، فإنها ستقول أنها لا تعرف نفسها حتى، فقد أُجريت لها لديها الكثير من عمليات تجميل."
وردد محمد أبو حماد، المهندس المعماري في المكتب الوطني لفلسطين التابع لـ"يونيسكو"، الكلام نفسه، ويضيف: "قصص المدينة هي قصص سكانها، القدامى والجدد، وقد استمرت حكايتها بسبب الأدلة المادية القائمة، وبمجرد اختفائها ستتحول القصص إلى أساطير ".
يحمي القانون الحالي في فلسطين جميع المباني التي شُيدت قبل عام 1917، وبالنسبة لأي مبنى تم تشييده في وقت لاحق، سيتعين على وزير الآثار في فلسطين أن يتدخل لإنقاذه، ستحتاج مباني ما بعد عام 1917 لأن تتمتع بأهمية ثقافية أو اقتصادية أو طبيعية لكي توضع في الاعتبار كمبنى يستحق الحماية.
لكن العقود التي أعقبت تلك المرحلة أنتجت بعض أعرق المباني في رام الله، شهد الحكم البريطاني بين عامي 1920 و1948 أول استخدام للأساسات الخرسانية والأسقف المسطحة وعوارض عالية في المدينة، وصلت الحداثة مع الفلسطينيين الذين فروا من المدن الساحلية في يافا وحيفا ومع إقامة "دولة إسرائيل" عام 1948، كما يصبح تراث رام الله أكثر أهمية بالنظر إلى أن السلطة الفلسطينية ليس لها رأي في التراث الثقافي الفلسطيني في القدس.
ويقول رئيس بلدية رام الله، موسى حديد، إن المدينة تعمل على تفعيل نظام داخلي لحماية المباني بشكل أفضل من خلال تصنيف كل عنصر من الهياكل القديمة بدقة أكبر، ويضيف أنّه من المحتمل دائماً أن يؤدي التناقض بين رغبات الملاك الذين يرغبون في البيع مع الاهتمام في نفس الوقت بحماية التراث إلى نشوب نزاع.
يسلط حديد الضوء على حالة واحدة دفعت فيها البلدية مليوني دولار لشراء وحماية بيت حاجب - وهو منزل يعود إلى حقبة الاحتلال البريطاني في حقبة العشرينات من القرن العشرين كان المالك يرغب في بيعه - لكنه يقول إن ذلك كان استثناء، فيقول: "إذا كانت البلدية ستشتري كل منزل، فلن يكون بوسعنا تمويل الخدمات لجميع المواطنين في المدينة، إنها ليست مسؤوليتنا الرئيسية".
"سنترو مول" الذي حل محل دار حرب، هو مشروع بقيمة 100 مليون دولار مشترك للمستثمرين العقاريين "رويال غروب" والنبالي والفارس. وتقول رنا دسوقي، المدير العام لـ"رويال غروب"، إن دار حرب شيدت بعد عام 1917، وبالتالي لم يحمها القانون الفلسطيني، وتضيف قائلة: "إذا كانت البلدية تعتقد أنها منزل مهم، لما كنا هدمناه".
أرسل تعليقك