فرض قادة تنظيم "داعش" في مدينة الموصل في العراق، أداة معدنية جديدة تشبه المقص كوسيلة لمعاقبة النساء اللاتي لا يلتزمن بارتداء ملابس تخفي كامل أجسادهن. ووصفت مديرة مدرسة سابقة فرَت من المدينة في وقت سابق هذا الشهر أن أداة المقص تسبب ألمًا بشعًا وتقطع جزء من لحم الجسد.
وأضافت فاطمة (22 عامًا-ربة منزل) لم ترد ذكر اسمها بالكامل أنها هربت من الموصل بعد عدة محاولات فاشلة لأن أطفالها يعانون من الجوع كما أن "داعش" أصبحت أكثر عنفا وساديا مقارنة بالعام الماضي خصوصًا تجاه المرأة، وبيّنت فاطمة بعد وصولها إلى معسكر مبروكة للنازحين في القرب من رأس العين والخاضع للسيطرة الكردية "أن أداة المقص تمثل كابوسًا مرعبًا للنساء، وعوقبت شقيقتي بقسوة الشهر الماضي لأنها نسيت ارتداء القفازات في المنزل".
وتصر "داعش" على أن تكون المرأة محجبة بالكامل مع ارتداء سراويل أو عباءات فضفاضة وجوارب وقفازات وأن يصاحبها أحد أقاربها الذكور عند خروجها من المنزل، وأوضحت فاطمة أنه بعد استخدام أداة المقص لمعاقبة شقيقتها لا زالت الكدمات والندوب واضحة على ذراعها، وذكرت لها شقيقتها أن العقاب بالمقص أكثر وجعا من آلام المخاض، فيما وصف شهود أخرون هذه الأداة باعتبارها مثل فك الحيوان في تقطيع اللحم. ومن الصعب الهروب من الموصل بعد أن سيطرت عليها "داعش" من الجيش العراقي في يونيو/حزيزان عام 2014، إلا أن الناس الذين استطاعوا الهرب عبر الحدود إلى سورية ومنها إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة الكردية المعروفة باسم "روجافا" في الشهرين الماضيين أكدوا أن ظروف المعيشة تدهورت بشكل حاد وأن هناك نقص حاد في كل شيء بما في ذلك الغذاء والوقود والمياه والكهرباء.
واتسمت "داعش" بالعنف منذ بداية حكمها منذ 20 شهرًا، إلا أن الجَلد وتنفيذ عمليات الإعدام أصبح أكثر شيوعا في الأشهر الأخيرة، وأوضح سكان الموصل أن المتطوعين السعوديين والليبيين الذين انضموا إلى "داعش" يفرضون المزيد من العقوبات على المخالفات الصغيرة لأنظمة الخلافة المعلنة، ويبدو الأمر كما لو أن مقاتلي "داعش" وقادتها يرغبون في تعويض الانتكاسات في الحرب من خلال إظهار أن لديهم سلطة على السكان في الأراضي التي يسيطرون عليها.
وأفاد إبراهيم وهو صيدلي (26 عامًا) غادر الموصل بتاريخ 16 يناير/ كانون الثاني، بأن هناك القليل من الطعام والأدوية في المدينة، مضيفا "أصبحت صيدليتي نصف فارغة"، حيث توقفت جميع مصانع الأدوية في الموصل عن الإنتاج وهو عدد قليل من الأدوية يتم استيرادها من سورية مثل المسكنات وخصوصًا بنادول الذى بلغ سعره 1 دولار للزجاجة العام الماضي ولكن وصل سعره حاليا إلى ثمانية دولار. وأضاف "هناك نقص شديد في المواد الغذائية والمتاح منها مكلف للغاية، حيث انقطعت الإمدادات من تركيا وبقية سورية، وأصبح هناك القليل من المال لإنفاقه بسبب الهجمات الجوية على صادرات النفط الخام فضلا عن انخفاض أسعار النفط".
وتواصل حكومة بغداد دفع رواتب موظفي القطاع العام في الموصل حتى بعد سيطرة "داعش" عليها، إلا أن إبراهيم أوضح توقف الرواتب منذ تسعة أشهر، مضيفا "أنفقت بالفعل كل مدخراتي، وفى العام الماضي كان مبلغ 500 دولار كافي بالنسبة لأسرة للعيش به ولكن الأن ألف دولار غير كافي بسبب تضاعف الأسعار ربما بمعدل خمسة مرات أكثر عن المعدل الطبيعي".
وتحدث اللاجئون عن انتشار المجاعة في جميع أنحاء المدينة تحت وطأة هذا الحصار الاقتصادي، وذكرت فاطمة " بالنسبة لي كنت أتحمل نقص الطعام ولكن أصبح الأمر مستحيلا عندما بدأ أطفال يتضورون جوعا منذ 11 شهرا"، وأوضح غانم (25 عاما) الذى كان يعمل سباكًا لكنه عاطل حاليا ويعيش في شمال شرقي سورية أن حليب الأطفال لم يكن متاحًا لمدة ستة أشهر وغيرها من المواد الغذائية التي أصبحت باهظة الثمن، حيث وصل سعر كيلو الأرز إلى 10 دولار، كما أن المزارعين تركوا حقولهم بسبب عدم وجود كهرباء لضخ المياه لري المحاصيل.
وبيّن غانم أن السبب الرئيسي الذي دفعه للهروب من الموصل لم يكن الظروف المعيشية السيئة ولكن "داعش" التي تتحكم في تفاصيل حياة الناس اليومية فضلا عن الغرامات والعقوبات التعسفية، وتحدث غانم عن المعاملة التعسفية مع النساء باستخدام أداة المقص عقابا للمرأة التي تظهر مزيد من جلدها وبشرتها. ولم يترجم النفور الشعبي ضد "داعش" بالضرورة إلى مقاومة حيث كانت هناك قليل من الهجمات المسلحة ضد "داعش" في الموصل.
وتستخدم "داعش" الذراع الأمني لها لاستهداف المعارضين الحقيقيين، وفى ظل تصاعد غضب القبائل ضد "داعش" في سورية والعراق تعرض أعضائها إلى الذبح بالمئات، وعلى الرغم من نقص الموارد الذي يؤثر على السكان العاديين إلا أن قادة ومقاتلي "داعش" لن يذهبوا دون طعام أو وقود، وأن تراجع الإيرادات لا يعنى تخفيض رواتبهم إلى النصف.
وتواجه الخلافة هجوما شديدا من أعدائها وأهمهم الجيشين العراقي والسوري بالإضافة إلى قوات البشمركة العراقية الكردية ووحدة حماية الشعب الكردية السوري، ولا تعتبر هذه القوات كبيرة إلا أن قوتا تضاعفت عن طريق دعمها بواسطة الضربات الجوية الأمريكية والروسية ما جعل الأمر مستحيل بالنسبة لـ "داعش" للسيطرة على مواقع ثابتة دون خسائر خطيرة، ولا تزال "داعش" بمثابة قوة حرب العصابات الماهرة من ذوي الخبرة حيث يمكنها مهاجمة الطرق الهامة مثل الطريق الذى يربط الحكومة السورية في حمص وحلب والذي قطعه التنظيم المتطرف هذا الأسبوع.
وهناك دلائل واضحة تشير إلى تنامي الفساد والفوضى داخل "داعش" نفسها، حيث هرب الكثير من الناس من الموصل على الرغم من القواعد الصارمة التي تفرضها "داعش" على المغادرة، ما يظهر ضعف قدرة "داعش" على فرض أنظمتها أكثر من ذي قبل، وأضاف مدير مدرسة سابق لم يرد ذكر اسمه "إنهم يهددون يقتلنا إذا ذهبنا خارج الموصل"، ويأخذ المهربون 400 أو500 دولار لنقل الناس سرا على الرغم من أن هذ الأموال يمكن أن تذهب إلى "داعش" التي تسعى للحصول على المال.
وأوضح غانم أنه كان خائفًا في البداية عندما غادر الموصل إلى سورية إلا أن المهرب طمأنه قائلا "لا تقلق المال يجعل كل شيء ممكن و"داعش" ستأخذ حصتها من المال"، وتعتبر "داعش" أن أي شيء ربما يكون سببا للشك، حيث ذكرت امرأة استطاعت الوصول إلى أربيل أن التنظيم اعتقل شقيق زوجها وتم إعدامه لأن كان ضمن وحدة شرطة متخصصة لحماية حقول النفط. وأفاد وسام الطالب الذي يبلغ من العمر 19 عاما وكان يعمل كمحرر للصور في محطات التليفزيون المحلية ووكالات الأنباء أنه اضطر للعمل لأكثر من عام في سوق بيع الخضراوات حيث لم يمكنه العمل على الأنترنت بسبب مراقبته من قبل "داعش".
وتعيش الموصل في عصر ما قبل الحداثة في ظل انقطاع الكهرباء ومياه الشرب، ويقول السكان السابقين أنه خلال العام الأول من الخلافة كانت "داعش" تبذل جهدًا لضمان عمل الخدمات العامة بشكل أفضل عما كانت تحت سيطرة الحكومة العراقية ولكن يبدو أنها تخلت عن هذه المحاولة. وذكر وسام "نحن نشرب الماء مرة واحدة أسبوعيا فقط، والمواسير مكسورة وتحتاج إلى التصليح لكن الإدارة في الموصل أصبحت مهملة في الخمسة أشهر الأخيرة"، كما توقفت أنابيب الكهرباء وأصبح الناس يعتمدون على المولدات الخاصة من رجال الأعمال المحليين الذين يبيعون الطاقة، وهو ما يعد مكلفا لكثير من العائلات، وأوضحت فاطمة أن معظم مناطق مدينة الموصل مظلمة وأصبحت الموصل مدينة للأشباح.
ويعني الاعتماد على المولدات استخدام الوقود المنتج محليا وهو من نوعية رديئة بعد تدمير الضربات الجوية الأميركية لمصافي التكرير في سورية، والتي كانت تسيطر عليها داعش، ولا يمكن استخدام الوقود في السيارات نتيجة تدمير المحركات في المولدات والتي عادة ما تتوقف عن العمل، وحاولت داعش تطبيق نظام قسيمة الوقود لكنها تخلت عن الفكرة في وقت لاحق، وأضاف غانم، "أشعر أننا نعيش في العصر الحجري حيث لا يوجد تلفاز أو هواتف أو سيارات أو حتى إنارة".
وأدت الحرب مع الحصار الاقتصادي إلى تقويض محاولة "داعش" لإظهار قدرتها للعرب من السُنة على إدارة دولة عن الحكومتين العراقية والسورية، وحصل التنظيم على رصيد لدى الناس عندما سيطر على الرمادي في مايو/ أيار الماضي لأنم أعادوا فتح المستشفى المحلي وهو ما فضلت الحكومة العراقية في القيام به عن طريق جلب الأطباء من سوريا، كما أحضر التنظيم مولدات كبيرة لتوفير الكهرباء، وطبقت "داعش" لوائح صارمة بسبب الإجرام وانعدام الأمن الذي زاد بسبب حركات المعارضة المسلحة الأخرى.
يُشار إلى أنه وعلى الرغم من شهادة اللاجئين ضد "داعش" التي أجبرتهم على ترك منازلهم إلا أنه لا يزال هناك أنصار متعصبين لـ "داعش" ولم يهاجروا على الرغم من تعرضهم للقصف من أكبر الشربات الجوية العالمية، وعرفت "داعش" بالعنف على مستوى العالم، وليس من الغرب نمو هذا العنف بشكل مطرد ما جعل الأمر أكثر تطرفا.
أرسل تعليقك