انفجرت طائرة روسية فوق صحراء سيناء ما أسفر عن مقتل 224 شخصًا، ويعتقد البيت الأبيض و"داونينغ ستريت" أن مقاتلي تنظيم "داعش" المتطرف وراء زرع قنبلة داخل الطائرة، وظهرت صور للركاب الأبرياء الذين قتلوا مثلما ظهرت صور في العام المنصرم للمصطافين من أوروبا الغربية على متن الخطوط الجوية الماليزية للطيران "MH17" عندما سقطت الطائرة فوق أوكرانيا بصاروخ روسي.
وأوضح وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، الخميس، أمام لجنة العموم "أنه لا يمكن الدفاع أخلاقيا عن عدم انضمام سلاح الجو البريطاني إلى الطائرات الأميركية والأسترالية والفرنسية في قصفها داعش في سورية".
وفر الآلاف من السوريين من بلادهم إلى الغرب هربًا من العنف الذي تسبب فيه رئيسهم الأسد المدعوم من روسيا، بالإضة إلى أعمال "داعش" الوحشية. وفي الوقت ذانه تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لمساعدة الأكراد وهم الأكثر تعاطفا مع الأقيات التي تقاتل "داعش" في العراق المجاور، فضلا عن قصف الطائرات الحربية التركية التي تعتبر صديقة للأكراد.
واعتبر مراقبون قبل أربع سنوات أن الربيع العربي سيطلق مزيدا من الحرية من خلال الديمقراطيات الناشئة، ولكن اليوم تعصف الفصائل المتناحرة بهذه الدول التي بالكاد تظهر فيها صناديق الاقتراع، ولكن ماذا يجب على البريطانيين أن يفعلوا حيال الأمر.
تتمثل القضية الأولى في مأزقنا كسياح حيث أعلن المتشددون أن موسم القتل مفتوح من أجل الكفار الذين يتجهون إلى مناطق العطلات الإسلامية حيث يصبحون هدفا سهلا هناك، وبدأت الهجمات منذ عقد من الزمن في بالي وكينيا وامتدت منذ ذلك الحين إلى مصر وكينيا مرة أخرى، وفي حزيزان/ يونيو قتل شخص متطرف 38 سائحا معظمهم من البريطانيين على الشاطئ التونسي، ويبدو الآن أن عطلات الروس في شرم الشيخ أصبحت مستهدفة أيضا.
وبيّنت الإحصاءات إمكانية عودة السياح إلى ديارهم في أمان من رحلة إلى مصر أو كينيا إلا أنهم لم يصبحوا آمنين، والواقع أن التطرف السياحي سيستمر وأن العديد من الدول المضيفة للسياح غير قادرة على توفير الأمن.
وانتشرت حالة من الفوضى عندما هاجم مسلحون مركزًا للتسوق في "ويست جيت" في نيروبي في أيلول/ سبتمبر 2013 ما أسفر عن مقتل 67 شخصًا على الأقل نتيجة عدم كفاية الجيش الكيني الذي شرع أفراده في نهب المحلات التجارية بدلا من أسر أو قتل المهاجمين.
وأعتقد أن معظم الذين يقضون عطلتهم في الدول الإسلامية سيتعلمون فعل ما يحدث عند البوابات التي تهيمن على المنتجعات في جنوب أفريقيا حيث تحيطها الأسوار الكهربائية وحراس الأمن، ومن المتوقع أن تستمر السفريات خارج هذه الحدود ولكن سيتحمل كل شخص مسؤوليته الخاصة.
وستضطر شركات الطيران إلى تعيين موظفين لتعزيز تفتيش الأمتعة، في ظل وجود بعض إجراءات مسح الأمتعة بشكل غير كامل في العديد من البلدان، وسيكون هذا مكلفا بلا شك وغير شائع ليس على الأقل لدى الحكومات المضيفة.
ويعكس هذا شكل العالم الجديد الذي تتوسع فيه السياحة مع استمرار التطرف العنيف، ويعد تنظيم "داعش" الأكثر انتشارًا من خلال السيطرة على أراضي العراق وسورية والتي هى معظمها برية لكنها تضم 8 ملايين نسمة، وذلك على عكس ما زعم ديفيد كاميرون قبل بضعة أشهر من أن هذا التطرف لا يمثل تهديدا وجوديا على الغرب.
ولكن بالتأكيد يمكن لهذا التطرف أن يسبب لنا الألم والحزن من خلال قطع رؤوس الرهائن وتصنيع القنابل، كما أنه يمثل حضارة بديلة للمختلين وغير الناضجين، وأثناء فترة التطرف الأيرلندي كان هناك نقاش طويل حول ما إذا كانت الحكومة البريطانية يجب أن تتحدث مع شين فين وهو الجناح السياسي للجيش الجمهوري الأيرلندي، وفي النهاية فعل ذلك وني بلير وتم التوصل إلى اتفاق فوضوي.
أما بالنسبة لمتطرفي "داعش" فلا مجال للتفاوض لأنه لا يمكن لأمة عاقلة أن تنخرط في جدول أعمالهم، ويسعى التنظيم إلى إنشاء خلافة إسلامية تحكمها الشريعة في عودة إلى عالم القرون الوسطى.
وأوضح الخبير في الجماعات المتطرفة من جامعة برينستون الأميركية، برنارد هايكل، أن مقاتلي "داعش" ينتمون إلى تقاليد منتصف العصور الوسطى ويريدون إعادتها إلى عصرنا الحالي وتمثل الجماعة الجذور القديمة للدين حيث تعد العبودية وقطع الرؤوس من العقيدة.
وكشف المتحدث باسم "داعش"، أبو محمد العدناني قبل بضعة أشهر، عن استراتيجيته لتوسيع القتال في الغرب داعيا المسلمين هناك إلى العثور على أي كافر وسحق رأسه بالحجارة أو تسميمه أو دهسه بالسيارة أو تدمير محاصيله.
ونعلم أن هذا ليس مجرد تهديدًا خاملا بسبب المصير المروع الذي يصيب الغربيين عندنا يقعون في أيدى متطرفي "داعش" مثل "الجهادي جون" الذي نفذ العديد من عمليات قطع الرؤوس ويعتقد أنه تخرج من دراسة علوم الكمبيوتر في جامعة ويستمنستر.
وعلى الرغم من أن معظم الهجمات في أوروبا كانت بواسطة "تنظيم القاعدة" أو أحد فروعها إلا أن الوضع تغير الآن بعد مغادرة 4000 مسلم من بريطانيا والقارة للقتال ثم عودتهم إلى وطنهم مرة أخرى.
وفي معركتنا ضد هذا التهديد يتمثل خط الدفاع الأول في أجهزة الشرطة والمخابرات، وهذا هو سبب منح GCHQ و MI5 و MI6 صلاحيات مراقبة واسعة النطاق، على الرغم من أن عدم قبول ذلك يقع في إطار التحرر، وفي الواقع من الصعب المبالغة في كثرة نشاط المتعصبين على الإنترنت والذين يقيم بعضهم في بريطانيا، ويتخذ الموضوع الكثير من الأبعاد الأخرى.
والحقيقة أن هذه القضايا ليست سهلة ولا يوجد حل ولكن فقط ردود سيئة، وبالمثل فإن عدم فعل أي شئ ليس خيارا أيضا، حيث يشكل نزوح اللاجئين من سورية بما في ذلك من يعزم على الاستقرار في أوروبا مشكلة لمجتمعاتنا، وتبذل الحكومة البريطانية قصارى جهدها لمساعدة المحرومين في منطقتهم، كما أنه من المنطقي أن تدعم الجماعات المعادية لـ"داعش" ولاسيما الأكراد الذين يتعرضون للقصف من قبل الحكومة التركية باعتبارهم أقلية.
وفي العراق فوضية ملحمية، ويكمن السبب الأساسي لظهور "داعش" بالنسبة للمخابرات الغربية في أنه بعد غزو الولايات المتحدة وبريطانيا هيمن المسلمون الشيعة على حكومة بغداد التي استبعدت عشرات الملايين من السنة، في حين أن الميليشيات الشيعية الإيرانية تقاتل حكومة بغداد وتقع على عاتقها مسؤولية ارتكاب العديد من الأعمال الوحشية مثل المتطرفين.
ويملك "داعش" ثروة طائلة بما في ذلك أصول تقدر بنحو تريليون أسترليني ودخل سنوي من النفط فقط يقدر بحوالي 2 بليون أسترليني، وتعد المهارة الوحيدة التي يفخر بها "داعش" هي القوة العسكرية إذ يضم 100 ألف مقاتل أكثر شجاعة من أعدائهم، ولهذا السبب يفضل قلة من القادة العسكريين والسياسيين الغربيين استخدام القوات البرية.
وساعدت القوة الجوية الأميركية بدعم بريطاني متواضع "داعش" في التمركز في العراق والسيطرة عليها ، وحولت "داعش" هجومها حاليا إلى سورية.
وأنا لن أرفض مطلقا الضربات الجوية هناك ولكنها يجب أن تكون في إطار الدفاع العسكري الدبلوماسي وهو شئ غير موجود حاليا، وأعتقد أن معاداة الرئيس الأسد و"داعش" كما يفعل الرئيس أوباما وديفيد كاميرون استيراتيجية غير مجدية، ولم يتضح بعد أي جانب سندعم إذا قاتلنا في سورية.
ومن الضروري إجراء صفقة دبلوماسية يجب أن تشمل فلاديمير بوتين رجل حروب العصابات لأن هذا سيتطلب بقاء الأسد في دمشق لفترة على الأقل، وعلى الأرجح أن العراق وسورية ستبقى دولًا هشة مفتتة بدلا من كونها متماسكة، وعلى الرغم من الدور الذي يلعبه الأجانب إلا أن الشعوب المحلية هى التي ستقرر ما الذي سيحدث في نهاية المطاف.
وأعتقد أن متطرفي "داعش" الذين يعتبرون آفات إقليمية غير سارة سيتلاشون في نهاية المطاف لأن قادتهم ليس لديهم رؤية اقتصادية تتعدى وجود المؤن والذخائر، كما أنهم لا يقدمون أى شئ للسكان المحليين، إنهم مجرد طائفة للموت ولدت نتيجة غضب وإحباط بعض المسلمين بسبب عدم قدرة مجتمعاتهم على التنافس مع العالم الحديث.
وتظل "داعش" مثل بقية الجماعات الأخرى بما في ذلك تنظيم القاعدة وفروعه المختلفة وجماعة بوكو حرام في نيجيريا وحركة الشباب في كينيا والصومال، وسيتبع "داعش" بعض الحركات العدمية الأخرى والتى سيضطر الغرب إلى احتوائها.
ونحتاج معلومات استخباراتية أفضل من تلك التي تأتي من العراق وسورية أثناء مواجهة هذا التهديد، ما يعني الحاجة إلى تجنيد ناطقين باللغة العربية كضباط في MI6 و GCHQ، ويعد الأخير السلاح الأكثر أهمية في إدارة التطرف حتى أكثر من سلاح الجو البريطاني، ويجب أن يكون لدينا المزيد من الدبلوماسيين الجيدين، حيث تعرضت وزارة الخارجية لسنوات من تخفيضات الميزانية وينقصها شخصيات ذكية على الأرض، وعلى سبيل المثال يعد مبنى السفارة البريطانية الضخم في بغداد شبه خالِ من الموظفين، وأخيرا يحتاج قادتنا إلى أن يصبحوا واقعيين بشكل أكبر بدلا من إلقاء الخطب الرنانة.
وافترضت الحكومات الغربية بحماقة أن الحكام المستبدين في الشرق الأوسط مثل القذافي وصدام حسين والأسد يمثلون القوى التي يمكن الإطاحة بها، لكن "داعش" أكثر دموية، وما هو أكثر من ذلك أن تدخلنا الاستقرار الاستبدادي في هذه البلاد بالفوضى القاتلة، وربما كانت القضية الوحيدة التي كان فيها الرئيس بوتين على حق حتى وإن كان لأسباب وحشية خاصة به هي إصراره على أنه لا يوجد بديل معقول أفضل من الرئيس الأسد في سورية، في ظل عدم وجود جماعة نصف متحضرة مناهضة للأسد.
ويجب على الرئيس أوباما وديفيد كاميرون عاجلا أم آجلا التوقف عن إصرارهما بأن الرئيس الأسد يجب أن يذهب بعيدا عن سورية، بالطبع هو رئيس ديكتاتور لكن الغرب كان مسؤولا عن العديد من الوفيات في الشرق الأوسط بعد الإطاحة برؤساء ديكتاتوريين في الآونة الأخيرة دون وجود أي فكرة عن من الذي سيحل محلهم.
ويجب علينا أن نضع نصب أعيننا وسط حالة الفوضى في الشرق الأوسط والفظائع أن ثقافتنا وقيمنا تسبق تلك الموجودة لدى المتطرفين بسنوات ضوئية، وربما يستغرق "داعش" وقتا طويلا حتى يموت ومن المتوقع أن يرتكب التنظيم مزيدًا من عمليات القتل، لكن تهديده يبقى طفيفا مقارنة بما مثله التهديد النازي أو الاتحاد السوفيتي السابق.
وتلعب القوة العسكرية الغربية دورًا كبيرًا في التعجيل بنهاية خصومها ولكن ذلك لن يتحقق إلا بالتفاوض مع بعض الشخصيات غير السارة مثل الإيرانيين وبوتين، وعلى حد تعبير ونستون تشرشل، "تساعد المحادثات المطولة في التأمين وتراجع التنظيم المتشدد بشكل أكبر من الطائرات البريطانية التي تحلق فوق سورية.
أرسل تعليقك