عمان ـ أسامة الرنتيسي
أكدت الفنانة الفلسطينية ريم تلحمي، أنَّ "الربيع من أهل البيت في فلسطين، ولن يذهب عنها أبدًا، على الرغم من الظروف القاسية التي تمر بها البلاد، لكن القصة لم ولن تنتهي"، مشيرة إلى أن ألبومها الجديد "يحملني الليل" هو مشروع غنائي مقدم إلى مدينة غزة، التوّاقة للحياة والفرح والحب. التقى "العرب اليوم" الفنانة الفلسطينية ريم تلحمي وكان له هذا الحوار ..
* الفنانة ريم تلحمي "لؤلؤة فلسطين" كم يضع على أكتافك من أحمال هذا اللقب؟
- مجموعة الألقاب التي تُعطى لفنان أو فنانة ما، هي فعلا مخزون ثقيل من المسؤولية والالتزام، هذا اللقب كان قد أطلقه عليَّ صديق من غزة، وهو من بادر لإنشاء صفحة خاصة وشخصية لي على الموقع الاجتماعي "فيسبوك"، وقد سعدت بهذه المبادرة وابتسمت طويلاً عندما تم ربطي بالصفحة رغم أنَّني لست من المهتمين بموضوع الألقاب ولست من أولئك الذين يطلقونها بكل الإتجاهات من منطلق " اللي ببلاش كثّر منّو "، وأعتقد فعلا أنَّها تضيف على الفنان مسؤولية تجاه حياته وفنّه، لكنَّني لست قلقة جدًا من هذا الموضوع لأنَّني من أولئك الملتزمين أصلاً وأعتقد أنَّها لفتة جميلة ولطيفة من الصديق من غزة، مشكورٌ عليها.
* حملتِ أوجاع فلسطين وحصار غزة وأحلام كل الفلسطينيين في ألبومك الجديد "يحملني الليل" كيف جاءت ولادة هذا الألبوم وتحالفك الفني مع الشاعر خالد جمعة؟
- الألبوم الجديد "يحملني الليل" هو نتاج عمل متواصل لمدة سنة ونصف السنة كانت بدايته الاتصال بالشاعر خالد جمعة من غزة من أجل فكرة تجربة كتابة أغاني جديدة لي ليتم تلحينها وغنائها، بدأت الفكرة لديَّ من مجموعة كبيرة من الأفكار الصغيرة نحو أغان خاصة وحميمية لتكون أغان ملحنّة في ما بعد من أجل إنتاجها في شريط مدمج ليكون أول إنتاج تسجيلي صوتي يحمل اسمي، والاتصال بخالد جمعة والتداول والنقاش حول أفكاري ومن ثم بداية العمل، جعل التجربة فريدة من نوعها وبخاصة أنَّ عملنا كان من خلال الوسائل الإلكترونية وليس وجهًا لوجه، وذلك لسبب الظروف السياسية التي تعيشها فلسطين وغزة في وسط الحدث، والأغاني العشرة التي كتبها خالد، هي المدينة التي يريدها خالد أن تكون، خالد يعيش في غزة وقد عايش الحروب التي شُنّت على المدينة الرائعة منذ ولادته وهو بالأصل مهجّر من قرية اسمها حتّا وقد وُلد في مخيّم الشابورة للاجئين في رفح .
وأرى أن خالد جمعة يكتب قصائده وأغانيه من القلب وبإحساس عال وعاطفة شديدة، وهو اليوم يعتبر من أفضل كتّاب الأغنية في فلسطين، إن لم يكن من أفضلهم في العالم العربي أجمع، شدّني أسلوبه في كتابة الأغاني بالعامية، وكنت أريد لهذا الإنتاج أن يكون بالعامية الفلسطينية بلهجاتها المختلفة، إن أمكن، ووجود خالد الفيزيائي في مدينة غزة جعل للأغاني طعمًا خاصًا وروحًا شديدة الاتصال بالحلم الذي يراه لمدينته، لهذا لن تجد في الأغاني أيّ مفردات تتعلّق بالدمار والخراب والدم والحرب وما إلى ذلك، بل ستجدها مفعمة بالحب والفرح وحلم الحياة، تعاقدت بعدها مع الملحن والموزع الفنان سعيد مراد من أجل حمل المشروع موسيقيًا من خلاله، ومن خلال مؤسسة "صابرين للتطوير الفني"، وخرج سعيد بموسيقى مثيرة جدًا للاهتمام وهو الخبير في إثارة الاهتمام في كلّ أعماله الموسيقية السابقة والتي تركت بصمة عظيمة على الموسيقى العربية بشكل عام.
من ناحيتي أنا، كنت أريد منذ البداية تقديم مشروعي الغنائي هذا لغزة، المدينة التي تتوق للحياة والفرح والحب، مشروعٌ غنائيٌّ موسيقي هو من الأمور التي أستطيع القيام بها من موقعي كفنانة، فقد كانت غزة في السنوات الأخيرة هاجسًا لي من أجل العمل، رفضت فكرة إقصاء غزة وتجاهلها وككل الفلسطينيين رفضت الحصار عليها، وعملت مع خالد جمعة منذ البداية على هذه الفكرة، لم يكن خالد يريد وضع غزة في موقع البطولة والمدينة التي لا تُقهر، بل مدينة ككل المدن، يحلم أهلها أحلام أهل المدن الأخرى نفسها، ومن هنا جاءت الأغاني العشرة مشاهد لمدينة تمنّاها خالد وتمنيناها أنا وسعيد بعده، طبيعية في أحلامها، تشبه المدن الطبيعية الأخرى.
لا أعلم إن كنت قد حملتُ أوجاع فلسطين وأحلام الفلسطينيين في هذا الألبوم ، وأعتقد أنَّ هذا الكلام كبير عليّ، آمل فقط أن يكون لهذا العمل تأثيرٌ إيجابي على المشهد الموسيقي الفلسطيني والعربي، وأن يلقى سمعًا يليق بالجهد الذي وضعناه لإتمامه وربما أن يساهم في لفت النظر إلى غزة الأخرى.
* هل خدمك الإعلام الفلسطيني بخاصة والعربي عمومًا في نشر إبداعاتك الفنية ومنها الألبوم الأخير؟
- كان للوسائل الإلكترونية وللشبكة العنكبوتية في السنوات الأخيرة، أثر كبير في نشر مجموعة من أغنياتي، الاتصال الفوري والعالم الذي أصبح صغيرًا وفي متناول اليد، ساهما في لفت الأنظار إلى الأغاني والموسيقى المدرجة تحت اسم الموسيقى البديلة، أما بالنسبة للإعلام الفلسطيني بخاصة والعربي عمومًا، فقد كانت هناك تغطيات لمهرجانات ولوقفات احتجاجية استنكارية كنت قد شاركت بها، ومجموعة من اللقاءات الصحافية التي جاءت نتيجة ربما للإنتشار الذي حصلت عليه الأغاني من جراء النشر الإلكتروني، وفي هذا الشأن ربما علينا أن نعي مدى أهمية دور الفنان في نقل رسائل بلده وشعبه، وأنَّه ليس تحصيل حاصل أو أمرٌ مفروغ منه، وربما حينها نستطيع تخيّل مدى أهمية دوره في السياق الوطني.
* هل تعتقدين أنَّ هناك متسعًا للفن الجاد والغناء الملتزم في زمن فن "التيك أوي"؟
- من الصعب جدًا الترويج للأعمال الفنية الجادة والملتزمة في زمن فن التيك أوي بالطبع !! ومن الظلم أساسًا مقارنة الفن الإنساني الجاد والملتزم ، بالفنون السريعة الهزيلة وغير الجادة، لا مجال للمقارنة، أعمل منذ سنوات طويلة على فن من نوع آخر ولن آتي اليوم لكي أمحو هذه التجربة الطويلة بقولي إنَّه لا متّسع للفن الجاد، الإنساني والملتزم! لن أيأس اليوم والآن هناك متسع للفن الجاد وهناك مكان له .
* ماذا قدمت لتجربتك الغنائية تعاونك مع الفنان اللبناني مارسيل خليفة؟
- مشاركتي مارسيل خليفة الغناء في بيت الدين في لبنان، كانت مشروع أن يكون تعاون حقيقي ومباشر في ما بيننا، لكنَّه لم يتم كغيره من المشاريع الكثيرة التي كان من الممكن أن أخوضها مع فنانين متعددين من العالم العربي، فالتجربة بحدّ داتها كانت من الأمور المثيرة في حياتي الفنية، إذ أنَّني للمرة الأولى أقوم بزيارة لبنان، والأمر الثاني التجربة الرائعة في العمل ثانية مع المعهد الوطني للموسيقى ومع أوركسترا "فلسطين للشباب"، أولئك الشباب والصبايا الواعدين والمشرقين نحو مستقبل موسيقي مشرق لفلسطين ولمحبي فلسطين، الذين عملوا طوال أشهر على القصيدة الملحمية التي كتبها محمود درويش بنبض روحه وقام بتلحينها مارسيل خليفة ، كانوا ذروة الحدث بالنسبة لي في لبنان، وقوفي وغنائي مع مارسيل وأميمة وباسل زايد كان يشبه الحلم.
* لك تجاربك المحترمة على المسرح، هل خدم المسرح تجربتك الغنائية؟
- بالطبع كان للمسرح أثر كبير في إثراء تجربتي الغنائية وإضفاء فضاء آخر عليها، أصبح الصوت وأصبحت الأغاني تحمل معان درامية مثيرة، لم يعد الغناء مجرد غناء وإطلاق للصوت بالنسبة لي، بل أصبحت التجربة متشعبة أكثر وذات أبعاد مسرحية تحمل في طيّاتها حدثا، وأصبح الجسد ولغته عاملان أساسيان في الغناء.
* هل خدمت المهرجانات الفلسطينية الثقافية والفنية تجربتك الفنية الملتزمة؟
- نعم، أعتقد أنَّها فعلت، رغم أنَّني مقلة في الظهور في السنوات الأخيرة، غالبًا ما تحمل المهرجانات الشعبية والمفتوحة في فلسطين، طابعًا وطنيًا أو شعبيًا أو تراثيًا . وفي هذه النوعية من المهرجانات ، يتم دعوة الفنانين الملتزمين وطنيًا أو تراثيًا أو شعبيًا، لذلك خدمت هذه المهرجانات في إبراز الفنانين الفلسطينيين، رغم أنَّ الجمهور عادة في هذه المهرجانات يبحث عن صيغة أخرى من الغناء والموسيقى بعيدة أحيانًا عن ما أقدمه أنا وبذلك يظهر التناقض الكبير الذي لطالما حاولت سدّ فجوته، هذا التناقض وهذه الفجوة التي تتمثّل في المادة التي أستمدّ منها فنّي والرؤية الإنسانية من وراء الأغاني، وفرضية أنَّ هذه الأغاني يجب أن تكون من الناس وإليهم، ما يحدث في الحقيقة أنَّ الناس عادة ما تكون راغبة ومائلة إلى نمط آخر من الغناء والموسيقى، وهو بالأساس ما يُعرض لها على الفضائيات ووسائل الترويج الأخرى كل ليلة ويوميًا.
* برأيك كفنانة ومثقفة، لماذا تأخر الربيع الفلسطيني، واذا نبتت أغصانه إلى من سيوجه سهام التغيير؟
قلتها مرة وسأقولها هنا ثانية: أعتقد أنَّ الربيع من أهل البيت في فلسطين ولا أعتقد أنَّه ذهب عنها أبدًا، صحيح أنَّ البلاد مرت ولا تزال تمر بأقسى الظروف التي من الممكن أن يعيشها إنسان على هذه الأرض، لكن القصة لم ولن تنتهي، فأغصان الربيع ستظل تنبت بعد ذبولها، قد نتعب أحيانًا وقد نفقد الأمل، وقد نفكّر في بلاد أخرى تأوينا ربما وقد نموت ألف مرة، لكنَّها تظل أغصاننا والربيع يظل ربيعنا، وإن كان الزرع غير ناجح هذا العام وغلّته غير مجدية، فسننتظر العام المقبل، ربما يكون الموسم أفضل والغلّة أكبر!!، وسهام التغيير وغيرها من السهام ستوجّه لكل ثور يخرج عن ثلمه، تكفينا الثلوم العوجاء التي لم تُحرث جيدًا بسبب عوج حارثها.
* من يلفت نظرك وتتمنين التعاون معه من الفنانين العرب الملتزمين؟
- لكل حادث حديث، الآن أفكر بالإنتهاء من مشروعي الغنائي الحالي ومن ثم المباشرة في المشروع المقبل والمشروع الذي يليه، إن كان هناك أفق لتعاون عربي مستقبلي، سأقوم بدراسته بما يليق به.
* فنانة ريم تلحمي إلى أين تصل مديات أحلامك، الفنية والوطنية والإنسانية؟
- إلى السماء ... إلى السماء.
أرسل تعليقك