تفاقم ظاهرة الأمهات العازبات في المجتمع التونسي و1500 ولادة سنوية خارج اطار الزواج
آخر تحديث GMT09:18:26
 تونس اليوم -

الحب الجنوني والوعد بالزواج ​وتحرّر المرأة أبرز أسباب الانتشار السريع لها في البلاد

تفاقم ظاهرة "الأمهات العازبات" في المجتمع التونسي و1500 ولادة سنوية خارج اطار الزواج

 تونس اليوم -

 تونس اليوم - تفاقم ظاهرة "الأمهات العازبات" في المجتمع التونسي و1500 ولادة سنوية خارج اطار الزواج

الباحث في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد
تونس - حياة الغانمي

انتشرت ظاهرة "الأمهات العازبات"، بشكل كبير في المجتمع التونسي، نظرًا لمراهنته على الانفتاح وحرية المرأة ومساواتها بالرجل، إذ تعدّ المرأة التونسية من أوائل النساء العربيات المتحرّرات والمشاركات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وربما هذا الأمر لوحده يعدّ سببًا وجيهًا لتسجيل ما يقارب 1070 ولادة سنويًا خارج إطار الزواج، حسب الإحصاءات الرسمية لمركز أمل لتأهيل الأمهات العازبات، بينما أكّدت مصادر مطّلعة في وزارة المرأة أنّ العدد يصل إلى ما بين 1200 و1500 ولادة، وهي  لا تعكس حقيقة الواقع بصفة جلية لأن أغلب الولادات تتم في سرية تامة ودون علم الجهات الرسمية.

ويعتبر "الحب الجنوني"، و"الوعد بالزواج"، أبرز أسباب الظاهرة، قبل التغرير والمعاشرة وبعدها التنكّر والهروب، وبالإضافة إلى ذلك فان الفقر والأمية يلعبان دورًا مهمًا في تفاقم ظاهرة الإنجاب خارج إطار الزواج، إذ أن عددًا كبيرًا من العازبات يقبلن بذلك مقابل مبلغ صغير يعينهن على صعوبة العيش خاصة بالنسبة إلى بعض الفتيات المنحدرات من الريف من اجل العمل في المدينة، ولكن هذا لا يعني أن  مسألة الإنجاب خارج الأطر القانونية تنحصر في الفتيات الآتيات من الريف، واللواتي لم ينلن حظاً كبيراً من التعليم، بل إنّ نساء أخريات اخترن أن يكون لهنّ أبناء خارج المؤسسة الأسرية، ولو أن عددهن قليل جدًا مقارنة بمن يتمّ التغرير بهن باسم الحب، أو استغلال ظروفهن الاجتماعية السيئة والمزرية أحياناً.

ويبقى الأبناء هم الضحية الكبرى أمام تعنّت أغلب الآباء وعدم الاعتراف بهم، مع أنّ القانون التونسي والمتعلّق بإسناد اللقب للأطفال مجهولي النسب يعطي الحق إلى الأم بإثبات نسب طفلها المولود خارج إطار الزواج، ويمكن للأم أن ترفع قضية لدى المحكمة الابتدائية تطالب فيها بإلحاق النسب لابنها إذا ما تمكنت من إثبات ذلك عبر الطرق جميعها، كالتحليل الجيني أو توافر شاهد، وبذلك يتمتع الطفل بهوية ويصبح له حقوق الابن الشرعي.

وتكشف الإحصائيات أن أغلبية الأمهات العازبات ينتمين إلى الفئة العمرية بين 20 و24 عامًا وذلك بنسبة 33% من مجموع الأمهات العازبات، تليها الفئة العمرية بين 15 و19 عامًا، وذلك بنسبة 27% أما على المستوى الدراسي لهذه الفئة من الأمهات فان أكبر نسبة توجد في صفوف الفتيات ممن لهن مستوى تعليم أساسي أي بنسبة 46%، يليها التعليم الثانوي بنسبة 35%، في حين أن الأمهات العازبات الأميات لا تتجاوز نسبتهن 15% أما الأمهات اللاتي لهن مستوى تعليم عال فـيبلغن 3%. وتؤكد الإحصائيات ذاتها أن أكثر من نصف الحالات تسجل في إقليم تونس الكبرى.

وتعبر العديد من الأمهات العازبات عن معاناتهن  من وضعيات هشة في مجتمعهن، وهذه المعاناة تترجمها طريقة تعامل المؤسسات الرسمية مع هذه القضية التي ما يزال الإعلام والهيئات ينظرن  إليها بسطحية وباحتراز، فرغم أحداث مصالح وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية لمراكز تأهيل الأمهات العازبات واعترافهن بهذه الظاهرة التي أصبحت واقعًا لا يمكن إنكاره داخل المجتمع التونسي، إلا أن موضوع هذه الشريحة يعتبر من المحظورات التي لا ينبغي مناقشتها، والجواب حولها جاهز ومسلّم به، وتختزله عبارات من قبيل أن العلاقة بين الرجل و المرأة خارج إطار الزواج تعد غير شرعية، وتعرض الأم العازبة ـ وليس شريكها ـ إلى كل أنواع الاضطهاد و العقاب الاجتماعي، المعنوي والمادي، وفي المستشفيات التونسية العمومية يشار إليهن بتسمية "حالة اجتماعية" وهن يتخفين وراء هذه الكلمة المبهمة ويحرصن على عدم تفسيرها لأي كان، ولا أحد يزورهن خلال التوقيت المخصص للمعايدات، هن وحيدات لا أنيس لهن إلا أطفالهن الرضع، وحتى على الصعيد الرسمي فان الموضوع لا يطرح إلا من جانب واحد وهو كيفية رعاية الأطفال ولم يطرح أبدا من جانب الأمهات، وقد كان يطلق على المواليد، الذي يولدون خارج إطار الزواج ولم يُعترف بهم من قبل آبائهم، اسم "أطفال بورقيبة"، نسبة إلى الراحل الحبيب بورقيبة، الذي كان أحدث دورًا لرعاية هؤلاء الأطفال.

ولرعاية الأطفال مجهولي النسب أحدثت الدولة آليات مختلفة من دور لرعاية الأطفال ومعهد مختص لرعايتهم إلى جانب لجان جهوية لإثبات النسب، وفيما يتعلق بدور المجتمع المدني في تبني قضايا الأمهات العزبات فان عددا  من الجمعيات يعملن على الإحاطة بهن قبل الوضع وما بعده إلى جانب العناية بالأطفال مجهولي النسب، على غرار جمعية "السبيل للأم والطفل التي  تعمل على الإحاطة بالأم العزباء وبصغيرها المولود خارج الإطار الرسمي للزواج، وتقوم جمعية السبيل برعاية 250 امرأة وطفل من خلال توفير مستلزمات الأطفال وتيسير استقرار الأمهات داخل أسرهم أو خارجها لدى عائلات أخرى، كما توفر الجمعية إعانات مدرسية وعينية بمناسبة الأعياد، وترافق الجمعية الأم العزباء لتسوية وضعية الطفل القانونية ومنحه لقبا عائليا وتعمل على تحميل الأب الطبيعي لمسؤوليته القانونية والاجتماعية.

وأكّد الباحث في علم الاجتماع، طارق بلحاج محمد، أن أوضاع الأبناء تختلف حسب ظروف كل حالة، إلا أن القاسم المشترك بينهم هو المعاناة طويلة الأمد، إذ يعيش الأبناء الذين يتربون في كنف أمهاتهم فقط ضغوطاً نفسية واجتماعية أينما حلّوا: في العائلة الممتدة أو في الشارع أو المدرسة، ويختلف ذلك، بحسب بلحاج محمد، عن الأبناء المكفولين من قبل الدولة في مراكز إيواء، والذي يكون وضعهم أسوأ، ويجدون صعوبة كبرى في الاندماج الاجتماعي،  وفي بعض الأحيان تصبح مأساتهم أبدية حتى لو كفلتهم بعض العائلات في إطار التبني، مشيرًا إلى أنّ بعض أبناء الأمهات العازبات يُتركون من قبل أمهاتهم خوفاً من الفضيحة، مما يعرضهم للسقوط في شبكات الاتجار بالبشر المحلية والعالمية، ويصبحون سلعة تُباع لمن يريد، بغض النظر عن نواياه.

وأفاد طارق بلحاج محمد أن هناك فرقاً شاسعاً بين الرؤية القانونية لهؤلاء الأطفال ومكانتهم في المجتمع، إذ تعتبر تونس من الدول العربية والإسلامية والإفريقية الرائدة قانونياً في حماية الأمهات العازبات، فكل أم عزباء لها الحق في التمتع بخدمات الولادة في المستشفيات التونسية، بالإضافة إلى الحق في الاحتفاظ بابنها وكفالته وإسبال اسم عائلتها عليه، وإن تعذّر عليها ذلك، فالدولة ملزمة بكفالة الطفل، فيما بات يُعرف باسم "أطفال بورقيبة"، نسبة إلى الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، لكن في المقابل، تتحمل هذه الفئة نظرة عنصرية وإدانة من المجتمع، وهو أمر يفسره بلحاج محمد  بالقول: "هذا موروث ثقافي واجتماعي ورصيد قديم من الثقافة الرجولية الأبوية المحافظة، وهو مجتمع ينظر بازدراء وريبة إلى النساء الأرامل والمطلقات، ناهيك عن الأمهات العازبات"، وبالتالي تعاني الأم العزباء في تونس أصناف من القهر والإدانة والتحقير مهما علت مكانتها الاجتماعية، مما يخلف لديها آثاراً نفسية مدمرة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفاقم ظاهرة الأمهات العازبات في المجتمع التونسي و1500 ولادة سنوية خارج اطار الزواج تفاقم ظاهرة الأمهات العازبات في المجتمع التونسي و1500 ولادة سنوية خارج اطار الزواج



GMT 09:13 2021 الأحد ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تطلق بياناً في مناسبة اليوم العالمي للطفل

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 19:19 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مراهق فلبيني يدخل فرّامة كفتة لتنتهي حياته

GMT 20:36 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

أفضل أنواع وتصميمات الأحذية الرياضية وطرق العناية بهما

GMT 05:00 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

مجلس الشيوخ الأميركي يقر تعيين أول مسؤول في إدارة بايدن

GMT 05:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

نظام غذاء سري لأكبر أنواع أسماك القرش في العالم

GMT 06:08 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعزز صدارته بفوز شاق على شيفيلد يونايتد

GMT 12:01 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

رونار وفكر الثوار

GMT 19:05 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 10:09 2021 الجمعة ,02 إبريل / نيسان

Isuzu تتحدى تويوتا بسيارة مميزة أخرى

GMT 18:28 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

مجلس الشعب السوري ينفي إصدار بطاقات هوية جديدة

GMT 00:28 2016 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

جمال عبد السلام يؤكّد أنه يدعم الشعب السوري

GMT 10:39 2015 السبت ,17 كانون الثاني / يناير

كيفية صناعة الموهبة والإبداع عند الأطفال؟

GMT 12:35 2017 الأربعاء ,26 تموز / يوليو

جريمة السبّ والقذف

GMT 14:54 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

سيمبا التنزاني يتقدم بالهدف الأول في مرمى الأهلي
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia