أجرت صحيفة "الغارديان" البريطانية حوارًا مع المذيع الأميركي الساخر، جون ستيوارت، الذي يشتهر ببرنامجه "ذا دايلي شو"، إذ ينتقد فيه بشكل فكاهي الأوضاع السياسية الراهنة, كما يعرض آخر أخبار الساعة بشكل ساخر.
وتحدّث ستيوارت عن أسباب تركه البرنامج بعد 16 عامًا، وهو القرار الذي خلّف حزنًا شديدًا في الشارع والرأي العام الأميركي، وكان البرنامج يعد أحد أهم البرامج التابعة لقناة "كوميدي سنترال" الأميركية.
وذكر ستيوارت "لقد كانت حقًا أسوأ لحظات حياته عندما علم أنه حان الوقت لترك عمله في البرنامج والذي كان يصفه بـ"العمل الأكثر مثالية في العالم"، وقال ساخرًا: "الحياة لاتسير على هذا المنوال، فأصابع الإتهام تتجه إليك من السماء، وتأمرك بالرحيل الآن، هذا يحدث فقط عندما يتم طردك من العمل، وأنا أعلم ذلك تمامًا".
كما وصف قراره باعتزال البرنامج، بأنه أمر أقرب إلى نهاية علاقة طويلة الأجل، وأضاف: "إن الأمر لايتعلق بعدم قدرة البرنامج على التواجد أوعلى تحقيق النجاح، أو بقدرتي أنا على ذلك، إنه أمر أكبر من ذلك بكثير".
وأشار الإعلامي الساخر، إلى أن "البرنامج يحقق نجاحًا ساحقًا، ولكني لم أصبح راضيًا عن الأوضاع كما كنت، فأصبحت الأمور متقلبة، هناك الكثير من الأوقات التي تشعر فيها بالرضا، وتخرج منها قائلًا إن كل شئ على مايرام، فأصبحت الأوضاع تدور في دوائر مفرغة أكبر وبشكل ثابت، وعندها أدركت أنه حان الوقت للوقوف في خلفية المشهد".
وعندما سألته الصحيفة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عن رغبته في ترك البرنامج بسبب شعوره بالملل من تكراره السخرية من نفس الحقائق التي سخر منها كثيرًا، أجاب: "هل تجدون لي وظيفة أخرى، أستطيع أن أجلب تاريخ عملك في صحيفة الغارديان بالكامل".
وأعادت عليه الصحيفة السؤال بطريقة مختلفة إذا كان يعلم أنه سيغادر البرنامج، فأجاب: " بالتأكيد لا ، ولكني أفكر في الأمر في بعض الأوقات، ولكني لا أستطيع أن أتخذ قرارًا نهائيًا ولا زلت في خضم العملية، فهل يمكنك ترك سباق الماراثون وتنتفي الميل 24؟"، ثم غيّر الموضوع بشكل تلقائي للحديث عن لهجته الغريبة وتحول إلى الحديث بشكل كوميدي بدلًا من الجاد، وقال: "أستطيع أن أتخذ هذا القرار عندما أنتهي مما أقوم به، وأسترخي وأشرب الماء"، ولكن الصحيفة تأكدت من قراره بالمغادرة بسبب استمتاعه بالفيلم الجديد الذي يخرجه.
ولفت في حواره مع الصحيفة، إلى أنه : "بصراحة، كان قراري ناجمًا عن مزيج من القيود المفروضة على ذهني وعلى المادة التي أقدمها، والصيغة السياسية الموجهة بطريقة تزيد عن الحد في العملية السياسية، وكنت حينها أفكر هل هناك طرق مختلفة لسلخ هذا القط، أو السخرية من العملية السياسية الجارية، ثم عدت للتفكير الى ماهو أبعد من ذلك، وهو البقاء في المنزل وانتظار أولادي وهم يعودون من المدرسة".
ولدى الإعلامي الساخر ابن بالغ من العمر 10 سنوات، يدعى ناثان، وابنته البالغة من العمر تسع سنوات، ماغي. وقد تزوج ستيوارت وزوجته تريسي، منذ عرض البرنامج، أي مايقرب من 16 عامًا.
وسألته الصحيفة بشأن الإنتخابات الأميركية المقبلة كانت السبب وراء، مغادرته للبرنامج أجاب: "سبق وأن قمت بتغطية الانتخابات أربع مرات، ويبدو أن الإنتخابات المقبلة لن تكون مختلفة بشكل كبير عن سابقاتها".
وقاطعته الصحيفة: "ولكن من كان يتوقع الضجة التي أثيرت حول رسائل البريد الإلكتروني المحذوفة الخاصة بهيلاري كلينتون؟"، وأجاب: "أي شخص يمكنه التوقع بذلك لأن الحياة السياسية تحمل في طياتها الكثير من الأحداث".
وتابع: "شعرت بالنسبة للبرنامج أني لايمكنني المغادرة وجعبتي فارغة، ولذلك فإن أفضل شئ أن يكون لديك ماتقدمه بناءًا على الحدث السياسي الذي يغذي محتوى البرنامج، مثل الإنتخابات الرئاسية المقبلة، ولكني أعتقد أن قيمة البرنامج أعمق بكثير من مساهماتي".
وكانت تلك هي المرة الثانية التي تجري الصحيفة معه حوارًا في غضون بضعة أشهر، فكانت المرة الأولى في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عندما سافر من نيويورك إلى لندن مع أسرته لحضور العرض الأول لتجربته الإخراجية الأولى لفلمه "روز واتر" في مهرجان لندن السينمائي.
وكان الفيلم يروي القصة الحقيقية للصحفي الإيراني مازيار بهاري، الذي اعتقل وتعرض للتعذيب في إيران في عام 2009، بعدما صور لقطات من أعمال الشغب في الشوارع الإيرانية للبي بي سي.
وتأتي المرة الثانية في مكتبه في نيويورك، عندما أعلن قرار التقاعد عن البرنامج، بينما كان يستعد لتصوير حلقة ليلة الجمعة، والفرق في مزاجه لافت للنظر في الحوارين، إذ تشير نبرة صوته هذه المرة إلى علامات الضجر وإلى المعنويات المنخفضة، مقارنة باللقاء السابق حيث كان يتحدث بلهجة تملؤها الإبتهاج والنشاط والحيوية.
ويبدو مظهره في الحقيقة ماوراء الكاميرا أفضل مماهو متوقع، فيتميز بطوله الفارع الذي يصل إلى 5 أقدام ، كما يبدو أنيقًا في ملابسه التي تناسب نمط الحياة اليومية بقميص بسيط وجينز عادي، وعلى الرغم من أن عمره بلغ 52 عامًا، إلا أنه يتمتع بطاقة وحيوية من هم في نصف أعماره، كما أنه يتمتع بشخصية متواضعة لاتحب المدح وعبارات الثناء، ولذلك تمكن "ستيوارت" من احتلال مكانة كبيرة في الحياة الثقافية والسياسية الأميركية أكبر بكثير من جمهوره الصغير الذي يحضر عرض البرنامج.
وتمكن من الفوز بشعبية كاسحة في الشارع الأميركي لعدة مواقف من ضمنها المونولوج الذي أداه في البرنامج بعد أحداث تشارلي إيبدو، ودعمه الشديد على الهواء للسيناتور الديمقراطية إليزابيث وارن، الذي عزز من موقفها في عيون الشعب الأميركي.
كما دفعت الحملات الإعلامية الحيوية عن أول المستجيبين لأحداث 11 أيلول/سبتمير، صحيفة نيويورك تايمز لمقارنته بفطاحل الإعلام الأميركي، والتر كرونكايت وإدوارد مورو، ولذلك فهو بالتأكيد الشخص الذي يتمتع بتأثيره الكبير، وبالرغم من شهرته الواسعة، إلا أنه يتميز بشخصيته المتواضعة التي تتنزه عن شهرتها، ولايتحدث عن 18 جائزة إيمي التي حصدها، ولكنه عوضًا عن ذلك يفضل الحديث عن بقائه في المنزل مع عائلته.
وعندما غادر جورج بوش منصبه في عام 2008، ساور الشعب الأميركي القلق بشأن إمكانية نفاذ مواد ستيوارت الإعلامية الساخرة ، وخاصة بعد اعتقاده أن أوباما سيكون المنقذ الكبير، وكان ستيوارت يصف نفسه بأنه يساري، ولكنه كان يدعم بخيبة أمل الديموقراطيين، وأجرى حينها حوارًا مع أوباما، الذي اعترف أن شعار حملته، "نعم نستطيع ولكن..."، ويصف ستيوارت هذا اللقاء الآن بأنه باعث على خيبة الأمل والحزن.
وفي العام ذاته أجرى واحدة من أفضل مقابلاته مع توني بلير الذي استطاع وبكل شجاعة رفض نظرية بلير بأن العمل العسكري سيترك الغرب في أمان، وأنه يجب إعادة النظر في استراتيجية لاتستند كلية إلى تدخل الجيش.
أرسل تعليقك