تظاهرة للسلفيين في تونس
لندن ـ سليم كرم
رأى محللون سياسيون أنه رغم سقوط أنظمة ديكتاتورية في عدد من بلدان شمال أفريقيا إلا أن صراع السلطة الذي أعقب ذلك، قد أحدث فراغًا سمح لظهور حركة سلفية متطرفة تتزايد قوتها ويتزايد أنصارها. وأشاروا إلى تصريحات الرئيس التونسي منصف المرزوقي إلى مجلة "ذي وورلد توداي" في اعقاب
الهجوم على السفارة الأميركية في تونس، وقوله "إننا لم نكن ندرك مدى خطورة ومدى عنف هؤلاء السلفيين.. إنهم أقلية ضئيلة داخل أقلية ضئيلة... إنهم لا يمثلون المجتمع أو الدولة ولا يستطيعون تشكيل خطر حقيقي على المجتمع أو الحكومة إلا أنهم قادرين على أن يضروا بسمعة وصورة الحكومة".
وقالت صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية "على ما يبدو فإن المرزوقي لم يكن على صواب والدليل على ذلك أنه وبعد اغتيال زعيم المعارضة التونسية شكري بلعيد الأربعاء الماضي الذي وضع تونس أمام أكبر أزمة لها منذ ثورة الياسمين عام 2011، تحول التهديد بعدم الاستقرار الذي بات يشكله المتطرفين الإسلاميين،إلى قضية ملحة وخطيرة".
وأشارت الصحيفة إلى أن الجماعة السلفية التي تنتهج العنف هي واحدة من بين جماعتين يشبته في أنهما وراء مقتل بلعيد في تونس. أما الجماعة الثانية فيه جماعة روابط حماية الثورة وهي عبارة عن فرقة صغيرة تزعم أنها ضد فلول النظام،إلا أنها متهمة بالاستعانة بعصابات لإثارة الصدامات والخلافات داخل تحالفات المعارضة والنقابات التجارية.
وأضافت أن اليسار التونسي يرى أن هذه الجماعات على صلة بالحزب الإسلامي الحاكم المعتدل المعروف باسم حزب النهضة الذي يقول أيضا بأنه فشل في استئصال العنف. إلا أن حزب النهضة ينفي أي صلة له بهذه الجماعات.
وأشارت الصحيفة إلى أن العنف السياسي المرتبط بنهضة السلفيين الذين باتت أصواتهم تعلو من ثورة 2011، يثير الآن أكبر المخاوف والقلق في المنطقة ككل.
وقالت إنه على الرغم من أن السلفيين في تونس يشكلون أقلية صغيرة إلا انهم استطاعوا أن يثيرو الخلافات والشكوك والريب في أوساط العلمانيين والإسلاميين المعتدلين.
وأعربت الصحيفة عن الاعتقاد أن الجماعات السلفية هناك تتمثل الآن في ثلاث جماعات رئيسية هي حركات سياسية صغيرة تشكلت على مدى الأشهر الماضية،وهم سلفيون ضد العنف،وسلفيون يتبنون العنف،وجهاديون.
ولا يقتصر الأمر على تونس،إذ أن المخاوف باتت تتصاعد في كل من مصر وليبيا وسورية من ظهور جماعات العنف المتطرفة وتأثيرها الذي بات ملموسا هناك.
ففي مصر وخلال الأسبوع الماضي دعا محمود شعبان أحد الدعاة المتشددين على شاشة قناة تليفزيونية دينية إلى إهدار دم زعيما المعارضة الرئيسيين وهما محمد البرادعي وحمدين صباحي.
وفي ليبيا، وعلى مدى الأشهر الماضية قام الجماعات السلفية وغيرها من الجماعات بشن سلسلة من الهجمات بما فيها الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي الذي يعتقد بأن اثنين من التوانسة من بين المتهمين.
ورأت الصحيفة أن ظهور الجماعات السلفية في تونس بعد سقوط الديكتاتورية، والتي سبق وأن عانت من وحشية اضطهاد نظام بن علي، على مدى العامين الماضيين بمثابة انتقام. ففي شهر أيار/ مايو من العام الماضي شنت جماعة سلفية مسلحة هجوما على مركز شرطة وحانات خمور في منطقة الكيف،وبعدها بشهر نفذت تفجيرا في مكتب أحد النقابات التجارية، وخلال أيلول /سبتمبر الماضي اقتحم حشد من السلفيين السفارة الأميركية والمدرسة الأميركية في تونس.
وتقول الصحيفة أنه وعلى الرغم من أن أعمال العنف والتشجيع على العنف يمكن أن توصف بأنها سلفية وأن هؤلاء يشكلون أقلية ضمن حركة أقلية أوسع نطاقا،إلا أنها باتت تمثل قوة سياسية فعالة في كافة أنحاء شمال أفريقيا خلال مرحلة ما بعد الثورات العربية.
وعلى الرغم من قيام هذه الأقلية بالتشجيع على العنف في تونس إلا أنه لم يغب أيضا عن مصر،حيث شهدت الآونة الأخيرة انتشار لغة التهديد والتحريض ضد الخصوم على ألسنة السلفيين. وهذا ما يؤكد عليه مدير مركز أبحاث بروكينغز في الدوحة، شادي حامد.
وخلال العام الماضي دعا وجدي غنيم إلى الجهاد ضد المتظاهرين ضد الرئيس المصري محمد مرسي،وهي دعوة تكررت عدة مرات هذا الشهر.
ويقال إن ياسر البرهامي دعا سائقي التاكسي المسلمين إلى رفض نقل القساوسة المسيحيين إلى الكنائس.
ويقول المحلل المصري، ياسر الشيمي إن ذلك ما هو إلا فتوى يتحمل مسؤوليتها شخص واحد ومن غير المتوقع أن تلقى استجابة كبيرة في مصر مقارنة بالحال في تونس، ففي مصر حدث تكامل واندماج عميق للجماعات السلفية في إطار سياسي فور قيام الثورة في مصر.
ويجدر بالإشارة إلى أن اثنين من أبرز الزعماء السلفيين في مصر قد أدانوا التهديد بقتل البرادعي وحمدين صباحي.
وقال متحدث باسم الجمعية السلفية التي دعت قبل أسبوع لإعدام الملثمين من أعضاء البلاك بلوك،بأن الجمعية ترفض الاغتيال كوسيلة سياسية،كما انتقد زعيم حزب النور وهو أكبر جماعة سلفية في مصر علنا كافة أشكال العنف.
وقال المتحدث باسم حزب النور، نادر بكار أن السلفيين في تونس غير منظمين وأنهم يفتقدون إلى العلماء الذين يمكن أن يعلمونهم كيفية التعامل السلمي مع الأشياء التي لا تعجبهم في بلدهم،وقال أيضا أن ذلك يكشف بوضوح أن ما حدث في تونس لا يمكن أن يحدث في مصر.
وأضاف بكار قائلا ان شعبان الذي أصدر الفتوي بهدر دم البرادعي وحمدين لا يحظى بشعبية في أوساط السلفيين المصريين،وليس له أتباع وأنه جاء من مدرسة سلفية تعلمت الطاعة لديكتاتورية حسني مبارك مما أدى إلى تدهور سمعته بعد الثورة.
تشير الصحيفة إلى ان الأحزاب السياسية السلفية الرئيسية المتواجدة في البرلمان المصري أكثر تواجدا في عملية التحول الديمقراطي في مصر مقارنة بوضعهم في تونس وليبيا.
وفي ليبيا،يسير العنف الإسلامي المتطرف الذي يستلهم السلفية في بعض الحالات،مسارا خاصا به وأخد طابعا أكثر جهادية من مهاجمة مقابر الصوفية والمطالبة بنقاب المراة.
وإذا ما كان هناك خلاف فيما بين ألوان التطرف السلفي في شمال أفريقيا،فهناك أيضا بعض التشابه،فهناك مناطق سلفية أكثر تمردا وأكثر تدينا من غيرها داخل البلد الواحد.
كما أنهم أقلية ضمن أقلية،إلا أنهم يمكن أن يكونوا بمثابة مصدر إزعاج خطير لأي حكومة في مرحلة ما بعد الثورة.
وفي تونس هناك ما يقرب من 500 مسجد يتحكم فيها دعاة متشددين من بين خمسة آلاف مسجد،وعلى الرغم من أن غالبية السلفيين يرفضون العنف إلا أن سمعتهم تشوهت بسبب تصرفات هؤلاء الذين يتبعون ذلك المنهج "الجهادي".
وقد تسبب ذلك في خلق مشاكل لحزب النهضة في تونس حيث بات العلمانيين يشتبهون في وجود علاقة سرية بينهم وبين السلفيين بهدف "إعادة أسلمة" مؤسسات الدولة،وأن الحكومة لا ترغب أو غير قادرة على التحرك ضد تطرف الجماعات السلفية.
وعندما تفككت في تونس خلية تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي خلال العام الماضي، مارس أعضاؤها نشاطهم من خلال جماعة سلفية أخرى هي جمعية أنصار الشريعة.
وتقول السلطات الجزائرية أن الجماعة التي هاجمت منشأة الغاز الجزائرية كانت تضم 22 تونسيا من ذوي الخط الجهادي كما يتردد أن الجهاديين التونسيين قد غادروا إلى سورية.
وبالنسبة لحزب النهضة التونسي يقول بعض المحللين أنه يواجه خطر التطرف السلفي العنيف بقدر من التوازن فهو يفضل الحوار معهم الأمر الذي أدى إلى اتهامهم بمهادنتهم والتغاضي عن أعمال العنف التي يرتكبونها ضد العلمانيين مثلما حدث مع شكري بلعيد.
أرسل تعليقك