عناصر مسلحة من "جبهة النصرة" في سورية
لندن ـ سليم كرم
بدأت المعارضة السورية بإحتلال عدد من منازل الطائفة العلوية في منطقة جبل القرود، وهي المنطقة المعروفة بالتعايش السلمي بين الطوائف والمذاهب الدينية المختلفة، وترى صحيفة "الغارديان" البريطانية في تحقيق لها أن مثل هذا الهجوم من جانب المقاومة من المرجح أن يحدد مصير قلب البلاد الذي يخلو من الأحقاد القومية أو المذهبية
. وتشير الصحيفة إلى حالة السلب والنهب التي تعرضت لها منازل العلويين التي باتت مهجورة، والى فيضان النهر الذي تطل عليه القرية وانتشار الطمي عبر ضفتيه الذي بات يغطي الشوارع.
وتذكر قول امرأة شابة وهي من المسلمين السنة، عن اختفاء مفاجىء لثاث عائلات علوية في المنازل المجاورة لمنزلهبين يوم وضحاه.
وعلى أحد جدران تلك المنازل كانت هناك عبارة تحمل اسم "جبهة النصرة"، وعلى مدى الشهرين الماضيين لم يكن سكان القرية- التي تقع شمال غرب سورية- يدخل في جدال مع "جبهة النصرة".
يقول محمود درويش أحد أفراد المقاومة السورية أن الجبهة التي عادة ما يطلقون عليها اسم "القاعدة" كانت تبدو عليهم علامات الطيبة والهدوء الاحترام في البداية، إلا أنهم يقومون على الفور بقتل أي مقاتل ينتمي إلى الطائفة العلوية.
وحتى شهر كانون الاول/ ديسمبر الماضي كانت بلدة داركوش منقسمة على نفسها حيث كان شمالها يؤيد المعارضة، والجنوب يؤيد النظام، والآن تحولت هذه المنطقة إلى نقطة الانطلاق إلى الجنوب للمعركة القادمة في البلاد، وهي المعركة التي سوف تحدد مصير التسامح والتعايش الديني في قلب سورية.
وتشير الصحيفة إلى استعداد قيادات المقاومة لشن هجمات وشيكة على المدن الموالية للنظام السوري، كما تقوم "جبهة النصرة" في الوقت نفسه بوضع خططها في ظل انضمام أعداد أخرى لها على مدى الأسابيع الماضية، واحتل بعضهم المنازل العلوية القريبة من بلدة داركوش بينما اندفع البعض الآخر باتجاه الجنوب على خطوط المواجهة القريبة من اللاذقية.
تبدو تحركات مقاتلي الجبهة وكأنهم أشباح يظهرون في كل مكان، ويختفون فجأة، وهم يحاولون أن يبدو في صورة القادر على هزيمة النظام السوري، أما الآن فهم أكثر انتشاراً وظهوراً على عكس ما كانوا عليه في أوقات سابقة من الحرب الأهلية.
وقد التقى مراسل "الغارديان" مع أحدهم الذي كان يربط على جبهته عصابة سوداء ويحمل على صدره سلاح "كلاشينكوف"، وكان يتفحص المراسل بنظره من الرأس حتى أخمص القدمين وكان يتحدث بلهجة أميركية أثارت دهشة المراسل، وقد اتسمت لحظات الحوار الذي استغرق معه 40 دقيقة بالبرود أحياناً والهدوء أحياناً، وكان يحاول معرفة ماهية المراسل والأسباب التي دعته إلى المجئ إلى جبل القرود.
ويقول التاريخ أن صلاح الدين الأيوبي، الذي اصطحب معه الأكراد من شمال العراق واستقر بهم الحال في هذه المنطقة التي تضم أيضاً طوائف علوية وأخرى مسيحية، كان قد استخدم هذه الجبال والوديان قبل 800 عام للهجوم على الصليبيين.
يقول مقاتل الجبهة لمراسل الصحيفة أنه وعلى من الاختلاف العقائدي بينهما، إلا يتفهم الأرضية الإنسانية التي جمعت بينهما، وخلال المقابلة نصح المراسل بضرورة ارتداء السترة الواقية من الرصاص مثل تلك التي كان يرتديها.
ويشير المراسل إلى قرية الجديدة المسيحية التي تقع بين إدلب وجبل القرود، التي تكاد تخلو من السكان والتي من النادر أن ترى فيها منزل نجا من القصف منذ وقوعها في أيدي جماعات المقاومة قبل ستة أسابيع.
التقى المراسل مع رجل مسيحي قال له أنه لم يغادر القرية لأنه لم يكن أمامه خيار أو بديل غير ذلك وقال أيضا أن هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها القرية لمثل هذا القصف لدرجة أنه لم يرى الشمس وظل قابعاً داخل منزله، كما أنها غير قادر على الخروج للبحث عن دواء لعلاج الالتهاب المزمن الذي تعاني منه أمه العجوز. وأكد على أنه لا ينحاز إلى أي من طرفي الصراع وكل ما يتمناه أن ينتهي الصراع.
وتقول الصحيفة أنه يبدو أن الطرفين غير راغبين في إنهاء الحرب في المنطقة الجبلة. ويقول قائد المجلس العسكري في إدلب أن المسيحيين داخل بلدة يعقوبيا أصدقاء له وأنهم عاشوا معه سنوات طويلة وأنه يقوم بحمايتهم إلا أنه مضطر إلى قصف الكاتدرائية المسيحية هناك لأنه النظام يحتفظ فيها بأسلحته وذخائره.
وطلب من السلطات المسيحية والقساوسة بما ينبغي عمله وقال أيضا أن أحدهم سمح له بشن الهجوم بينما رفض الآخر، وأشار إلى أنهم بحاجة الآن إلى مشورة البعض ويطالب القوى الغربية بإرشاده حول ما ينبغي عليه عمله في هذا الشأن.
من جهة أخرى أعلن الجيش السوري الحر عن سقوط البلدة في أيديهم وأنه لم يكون في البلدة سوى امرأتين ويقول قائد المقاومة هناك أنه يحمد الله تعالى على أن الكنيسة لم تتعرض لأضرار، وهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد فرار قوات النظام من قرى منطقة جبل القرود والتي من بينها عشرات المقابر التي تم دفن فيها القتلي من جنود النظام بالإضافة إلى عشرات السيارات المدرعة والشاحنات والدبابات التي تم تدميرها.
وبالنسبة للقرى المسيحية والعلوية فقد بدت مهجورة، وتشير الصحيفة إلى أن مقاتلي جبهة النصرة لم يقوموا بنهب منازل العائلات المسيحية التي فرت من القرى على عكس ما كانوا يفعلوه مع منازل العلويين.
ويسود جماعات المقاومة الاستياء والغضب من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها النظام السوري الحاكم والجميع بلا استثناء سواء كانوا جماعات مقاومة علمانية أو جبهة النصرة يكرهون العلويين إلا أن العلمانيين يكرهونهم بسبب ارتباطهم بالنظام بينما جبهة النصرة تكرههم لأسباب عقائدية. ويقول أحد أفراد المقاومة واسمه "أبو حمزة" تنظر إليهم باعتبارهم كفار، أما هو فيراهم متعصبين ومنعزلين.
ويقول أبو حمزة أيضا أنها يطلق لحيته ويحلق شاربه مثل السلفيين لدرجة أن البعض يظن أنه من تنظيم القاعدة ، وفي تلك اللحظة أخرج من سترته نسخة من الإنجيل وقدمها له كهدية وقال أنها يرغب في الحصول على نسخة من التوراة ليضعها في جيبه. واضاف قائلا أن هذه المنطقة نشأت على ديانات أهل الكتاب وسوف تبقى كذلك بمشيئة الله تعالي.
غادر المراسل وهو يحمل معه عبارات رجل المقاومة السورية الملتحي والتي تقول "لا تقلق لا أخي، ربنا معك مثلما هو معنا هنا"، وتعهد رجل المقاومة بأن هذه المنطقة بعد الانتصار سوف تعود إلى سابق عهدها وسوف يتبادل الزيارات مع المسيحيين في الأعياد، وقال ايضا أن المقاومة لا يمكن أن تترك الأمور تزداد سوءا عما هي عليه الآن من أجل الحفاظ على الثقة المتبادلة التي كانت بين سكان هذه المنطقة وأن هذه سورية التي كانوا يحلمون بها.
أرسل تعليقك