حشود من المتظاهرين في الأنبار ضد الحكومة العراقية
بغداد ـ جعفر النصراوي
أكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، لـ"العرب اليوم"، أن "العراق يسير في اتجاه الخطر والفتنة بين السنة والشيعة"، داعيًا إلى "الجلوس على طاولة الحوار ورفض كل ما يؤثر على الوحدة من ارتباطات وعلاقات وانتماءات". وفي حين أكد مراقبون أن "ما يجري اليوم في العراق يُعد
واحدة من أخطر وأوسع الأزمات التي مرت به منذ سقوط النظام السابق في العام 2003"، شهدت تظاهرات مدينة الانبار "تحولات جديدة تُهدد استمرارها"، بينما دعا نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني، المعتقلين المفرج عنهم، وحصلوا على براءات، إلى "رفع قضايا للحصول على تعويضات 40 مليون دينار للفرد الواحد".
وأكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، لـ"العرب اليوم"، أن "العراق يسير في اتجاه الخطر والفتنة بين السنة والشيعة، وأن هذه الفتنة ستكون كارثية ماحقة، كما عبر عنها القرآن الكريم"، فيما دعا إلى "الحوار والجلوس على طاولة الحوار ورفض كل ما يؤثر على الوحدة من ارتباطات وعلاقات وانتماءات"، وذلك في الوقت الذي تجري فيه استعدادات مكثفة في المحافظات الغربية للخروج بتظاهرات مليونية بعد أيام في "جمعة ارحل" الداعية إلى رحيل الحكومة، في حين حذر مراقبون من أن "ما يجري اليوم في العراق يُعد واحدة من أخطر وأوسع الأزمات التي مرت به منذ سقوط النظام السابق في العام 2003".
وقال المالكي في رد على سؤال لـ"العرب اليوم"، عن مستقبل العراق في ظل تواصل التظاهرات ضد حكومته، عبر البريد الإلكتروني، إن "انتماءنا هو الإسلام وهويتنا العراق الذي يجمعنا وعلينا أن نحفظهما، وإن فكرة الطائفية البغيضة هي أخطر ما يهدد وحدة هذه الأمة، وهي الآن تنتعش في هذه الأيام بعد أن تصورنا واعتقدنا أننا قبرنا هذه الفتنة"، مشيرًا إلى أن "هذه الفتنة (النتنة) تطل برأسها بشكل خطير في بلد كالعراق لم يكن يعرف الطائفية بين أبنائه، ولكن إن عرفنا من هو المستفيد من ظهور هذه الفتنة من جديد فسنعرف من يريد بالعراق شرًا، وإن هناك أجندات إقليمية تنفذ بمساعدة بعض الساسة العراقيين على أرض العراق الهدف منها مصالح آنية"، داعيًا "جميع العقلاء ومن يخافون الله ويرقبون الذمة في الدماء والأعراض، إلى أن يسمو إلى مرحلة مواجهة هذه الفتنة، خشية أن تأكل ما أنجزناه وما وصلنا إليه".
من ناحيته، دعا نائب رئيس الوزراء العراقي حسين الشهرستاني، الثلاثاء، المعتقلين المفرج عنهم، وحصلوا على براءات، إلى رفع قضايا للحصول على تعويضات 40 مليون دينار للفرد الواحد، فيما شهدت تظاهرات مدينة الانبار "تحولات جديدة تُهدد استمرارها".
وقال نائب رئيس الوزراء العراقي حسين الشهرستاني خلال مؤتمر صحافي عقده، الثلاثاء في بغداد:"تم تقديم طلبات إلى القضاء للحصول على أحكام لصالح من تم اعتقالهم ثم ثبتت براءتهم"، لافتًا إلى أن" البعض حصل على تعويضات وصلت إلى 40 مليون دينار للفرد الذي حصل على براءة بعد اعتقاله"، داعيًا كل من يُطلَق سراحهم إلى "المطالبة بتعويضات".
وأكد الشهرستاني، أن "اللجنة الوزارية قررت مراجعة قوانين جرائم الفساد، واقتراح الفقرات المطلوب تعديلها لحصرها في جرائم الفساد الحقيقية والكبرى، التي تسببت في الإضرار بالمال العام"، موضحاً أن "هؤلاء لن يشملهم عفو خاص".
وفي شأن رفع الحجز عن الممتلكات الخاصة بأعضاء حزب "البعث" المنحل، أعلن الشهرستاني، أن "448حالة أنجزت حتى الاثنين في دوائر التسجيل العقاري، وتم رفع الحجز عنها". وفي ما يتعلق برواتب أبناء العراق (الصحوات سابقًا)، أشار الشهرستاني إلى أن "اللجنة الوزارية أوصت بتوحيد وزيادة الرواتب إلى 353 ألف دينار شهريًا(350$) لكل فرد منهم، فيما كان مجلس الوزراء أكرم من ذلك واتخذ قرارًا الثلاثاء، بزيادة الراتب إلى 500 ألف دينار(400$) وصرفها فوراً".
وقرر مجلس الوزراء، في 8 كانون الثاني/ يناير الجاري، تشكيل لجنة وزارية لتلقي الطلبات المشروعة للمتظاهرين، فيما دعاهم إلى انتخاب لجان تمثلهم لحمل مطالبهم وتسليمها إلى مجالس المحافظات أو إلى اللجنة مباشرة، مؤكدا أن اللجنة سوف تبقى في اجتماع دائم حتى إنهاء عملها.
وميدانيًا، أفاد شهود عيان من أبناء مدينة الانبار التي تشهد تظاهرات منذ أسابيع، أن هناك "تحولات جديدة طرأت في ساحة الاعتصام في الرمادي تهدد استمرارها، وأنها باتت أكثر تعقيداً، ويتعذر معرفة جهة تمثلها، برغم نفور المتظاهرين من بعض السياسيين الذين دخلوا على خط التظاهرة".
وكشف مصدر مقرب من منظمي اعتصام الرمادي، لـ"العرب اليوم"، أن "التجمعات التي تُحرِك الاحتجاج، تتقاطع في ما بينها، وتتضارب مواقفها بشأن رد فعل الحكومة المركزية في بغداد"، مشيرًا إلى أن "التجمعات تُمثل طلبة جامعات وموظفين غالبيتهم من الشباب، إلى جانب وجوه قبلية ورجال دين، وبعض أنصار قوى سياسية ناشطة في الرمادي".
وأفاد المصدر، أنه "بحسب شهود عيان، فإن خلافات حادة نشبت بين تجمعات يمثلها ناشطون شباب وأخرى تمثل قوى سياسية داخل المحافظة، أدت في الأسبوع الثالث من التظاهرة إلى اشتباكٍ بالأيدي"، قائلين:" تلك الخلافات استمرار لما حدث في الأيام الأولى للاعتصام، حين تضاربت المواقف بشأن رفع الأعلام العراقية التي تعود إلى النظام السابق، ورفع صور سياسيين عراقيين".
وقال المصدر، إن "التجمعات المنُظمة للتظاهرة متفقة على منع أحزاب وتيارات مشاركة في العملية السياسية من تصدُر مشهد الاحتجاج"، مؤكدين أن "مخيمات تمثل مراكز النشاط للتظاهر كانت تشهد أخيراً، غيابًا واضحًا لرجال السياسية".
وبرز رجال دين عراقيون مع تصاعد الاحتجاجات في الأنبار، وكان من أكثرهم تأثيراً الشيخ عبد الملك السعدي، الذي نال حضورًا كبيرًا منذ وصوله المحافظة قادماً من الأردن، كما يتحرك بنشاط واضح مفتي الديار العراقية، الشيخ رافع الرفاعي.
في المقابل، تتغير وسائل التنظيم داخل ساحة الاعتصام، حيث أوقف شيوخ العشائر وجبات الطعام التي تكفلوا بها يوميًا بشكل دوري، بينما لجأ المتظاهرون إلى سد هذا النقص عبر تجهيز تلك الوجبات على مسؤولية كل مخيم وتجمع.
وفي مركز المدينة عادت غالبية الدوائر الحكومية إلى العمل بعد التحاق موظفيها، الذي كان غالبيتهم يشاركون في الاعتصام. ويبلغ تواجد المتظاهرين ذروته الجمعة من كل أسبوع، في حين يقتصر حضورهم في أيام العمل الرسمي على أوقات الصباح ولفترات قصيرة، أما في المساء فهناك جلسات تعقد في المخيمات أكثرها من تنظيم قيادات سياسية تنتمي إلى المحافظة.
ومن بين السياسيين الذين يحرصون على الحضور ليلاً وزير المالية العراقي رافع العيساوي، حيث تُقام مجالس نقاش، ويقيم شباب أمسيات موسيقية، وأهازيج مناهضة للحكومة، كما أن هناك تجمعًا نشيطًا للشيخ أحمد أبو ريشة، وآخر للعيساوي، وبعض ممن يؤيدون نائب رئيس الوزراء صالح المطلك، وجميعهم ينحدّرون من المحافظة.
من جهتها، أعلنت اللجان الشعبية لتنسيق التظاهرات في العراق، أنها تجري استعدادات مكثفة للخروج بتظاهرات مليونية بعد أيام في "جمعة إرحل"، وأن التظاهرات ستطالب بإقالة رئيس الحكومة نوري المالكي، لأنه "لم يعد صالحًا للتعامل مع شعبه"، محملة المالكي مسؤولية "أحداث الفلوجة" وعدم الاستجابة لمطالب الحراك السلمي.
وقال الناطق الاعلامي باسم اللجنة الشيخ سعيد اللافي، إن "الاستعدادات جارية لانطلاق تظاهرات حاشدة ضد سياسات حكومة المالكي في الأنبار ونينوي وصلاح الدين وسامراء وبغداد، الجمعة المقبلة، تحت اسم (جمعة إرحل)، وأن التظاهرات ستطالب بإقالة المالكي واستبداله بغيره وذلك لعدم صلاحيته في التعامل مع شعبه"، مبينًا أن "الذي يطلق النار على أبناء بلده لا يستحق أن يكون حاكما لهم"، فيما حمّل اللافي رئيس الحكومة نوري المالكي، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، "مسؤولية الدماء الطاهرة التي سالت على أرض الفلوجة، وفي ميادين العزة والكرامة، وعدم الاستجابة للمطالب المشروعة للحراك السلمي واختلاق الأزمات"، داعيًا القوات الأمنية إلى "عدم الانجرار إلى حالة المواجهة مع المتظاهرين".
وتشهد محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوي وكركوك وديالي ومناطق من العاصمة بغداد، منذ الـ21 من كانون الأول/ديسمبر 2012، تظاهرات واعتصامات متصاعدة، يشارك فيها مئات الآلاف، جاءت على خلفية اعتقال عناصر من حماية وزير المال القيادي في "القائمة العراقية" رافع العيساوي، وذلك تنديدًأ بسياسة رئيس الحكومة نوري المالكي، والمطالبة بوقف الانتهاكات ضد المعتقلين والمعتقلات، وإطلاق سراحهم، وإلغاء قانوني "المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب"، وتشريع قانون العفو العام، وتعديل مسار العملية السياسية وإنهاء سياسة الإقصاء والتهميش وتحقيق التوازن في مؤسسات الدولة.
وشهدت التظاهرات تصعيدًا بارزًا في مسارها، بعد مقتل سبعة أشخاص وإصابة 60 آخرين، جميعهم من متظاهري مدينة الفلوجة المنددين بسياسة رئيس الحكومة نوري المالكي، في 25 كانون الثاني/يناير 2013، التي أُطلق عليها جمعة "لا تخادع"، بنيران الجيش العراقي عقب تعرضه للرشق بالحجارة من قبل المتظاهرين، وكانت مواجهات طفيفة قد سجلت بين المتظاهرين وقوى الأمن العراقية، وبخاصة في مدينة الموصل وآخرها في 24 كانون الثاني/يناير الجاري، وأدت إلى إصابة أربعة متظاهرين بهراوات ونيران الشرطة الاتحادية التي حاولت تفريقهم من "ساحة الأحرار" بعدما تجمعوا لإحياء ذكرى المولد النبوي، وعلى الرغم من أن الاعتصامات تلك جاءت كرد مباشر على عملية اعتقال عناصر حماية وزير المال رافع العيساوي، في 20 كانون الأول/ديسمبر الماضي، فإن أهالي تلك المحافظات كانوا وعلى مدى السنوات الأخيرة، قد تظاهروا في مناسبات عدة ضد سياسة الحكومة الحالية وإجراءاتها بحقهم، وأهمها التهميش والإقصاء والاعتقالات العشوائية والتعذيب في السجون وإجراءات المساءلة والعدالة، وهي المطالب نفسها التي يرفعونها اليوم.
وقال مراقبون إن "ما يجري اليوم في العراق يُعد واحدة من أخطر وأوسع الأزمات التي مرت به منذ سقوط النظام السابق في العام 2003، إلى جانب الأزمة المزمنة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، في الوقت الذي أبدت فيه الأمم المتحدة في العاشر من كانون الثاني/يناير الجاري، عبر ممثلها في العراق مارتن كوبلر، قلقها من استمرار الأزمة في البلاد، ودعت الحكومة على عدم التعامل بقوة من التظاهرات، مؤكدة "حق المواطنين في التعبير عن مطالبهم وحقوقهم بطريقة سلمية".
أرسل تعليقك