السياسة الأميركية نحو مصر تعتمد على استمرار معاهدة السلام وضمان أمن إسرائيل
آخر تحديث GMT09:18:26
 تونس اليوم -

يكشفها أحدث تقرير يصدر بعد عامين من ثورة "25 يناير"

السياسة الأميركية نحو مصر تعتمد على استمرار معاهدة السلام وضمان أمن إسرائيل

 تونس اليوم -

 تونس اليوم - السياسة الأميركية نحو مصر تعتمد على استمرار معاهدة السلام وضمان أمن إسرائيل

الرئيس المصري محمد مرسي ووزير الخارجية الأميركي جون كيري

واشنطن ـ يوسف مكي كشف تقرير أصدره معهد "بروكنز"، أحد أبرز المعاهد في الولايات المتحدة عن إعتماد السياسة الأميركية نحو مصر منذ قيام الثورة فيها على ركيزتين وهما:  التركيز بشدة على استمرار معاهدة السلام التي تم إبرامها في "كامب ديفيد"، وضمان أمن الحدود بين إسرائيل ومصر وقطاع غزة، والتي أدت بالإدارة الأميركية إلى إعطاء الأولوية للحفاظ على العلاقات العسكرية (وما يرتبط بها من حزمة مساعدات) من دون تغيير قدر الإمكان؛ بالإضافة إلى بذل جهود جادة وإن كانت غير مجدية لتقديم المساعدات الاقتصادية، التي يمكن أن تدعم (جنبًا إلى جنب مع جهات أخرى، وفي ظل سياسية حكيمة من جانب الحكومة المصرية) استقرار الاقتصاد المصري ككل، والمساعدة في وجود حكومة ديمقراطية تعمل من أجل شعبها.
ونظريًا، فإن تشجيع التعاون الأمني والاستقرار الاقتصادي سوف يسفر عن استقرار سياسي في هذا البلد العربي المهم والكبير.
ولكن هذه الإستراتيجية منقوصة وغير مكتملة، ولن تسفر عن الاستقرار في مصر. وقد قال كل من روبرت كاغان وميشيل دونيه في صحيفة "واشنطن بوست" خلال الأسبوع الماضي، "إن الاقتصاد المصري يشق طريقه بصعوبة، وأن الفوضى منتشرة، والسبب في ذلك يرجع مبدئيا إلى أن زعماء البلاد على مدار العامين الماضيين فشلوا في بناء منهج سياسي شامل". كما أن القضية المحورية في مصر وفي العلاقات الأميركية المصرية ليست في الاقتصاد وإنما في السياسة. أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة التي لا زالت تتحفظ بشأن التحول السياسي الخطير ، بحاجة إلى الضغط على الرئيس وحزبه، وكذلك بقية الأحزاب ذات الصلة، من أجل اتخاذ الأجراءات كافة، اللازمة لوضع مصر على مسار التحول الديموقراطي المستقر. وما زالت الولايات المتحدة قادرة على التأثير على التطورات السياسية في مصر، على الرغم من عدم قدرتها على إملاء أوامرها بشأن المحصلة والنتائج، ولا ينبغي لها أن تحاول ذلك. والواقع أن التاثير لن يأتي عن طريق الإملاءات والمطالب. وإنما يتطلب استخدام الدبلوماسية بمهارة وإتقان مع الحكومة ومع القوى غير الحكومية، ونشر ذرائعها بعناية وبالتنسيق لديهم الاهتمام الأميركي نفسه: في مصر والمنطقة والنظام الدولي.
ومن حسن الحظ أن أعداد هؤلاء ليست قليلة، وهناك من يجادل بأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تمارس تأثير ونفوذ حقيقي على الفوضى التي تعم السياسة المصرية اليوم. ويقول هؤلاء أن المصريين ناقمون أشد النقمة بسبب دعم أميركا منذ عهد طويل للرئيس المصري السابق حسني مبارك، وأنه في حالة المبالغة في فرض وجهات النظر الأميركية على نحو صارم فإن الحكومة المصرية الحديثة العهد سوف تنفصل عن أميركا، وتحاول أن تبحث لنفسها عن أصدقاء في مكان آخر.
إلا أن تامارا كوفمان لا تتفق مع هذا الرأي لسببين: الأول هو أن أميركا ما زال في جعبتها الكثير كي تقدمه. وعلى الرغم من انكماش الميزانية الأميركية، والاختلال الوظيفي السياسي، الذي جعل من الكرم الأميركي والبراعة الأميركية في الاستجابة إلى اليقظة العربية أقل مما ينبغي، إلا أن أميركا ما زالت لديها كروت أخرى يمكن أن تواصل بها اللعبة السياسية، وأن هذه الكروت ليست كلها مساعدات مادية دولارية. أما السبب الثاني فيرجع إلى أن المصريين داخل وخارج الحكومة المصرية لا يزالون على اهتمامهم بما تفكر فيه أميركا وما تفعله. ولو لم يبدِ المصريين هذا الاهتمام، واعتقدوا أن أميركا لا تستطيع التأثير، لما أمضوا الكثير من وقتهم في محاولة جر أميركا لمشاكلهم وخلافاتهم الداخلية.
ولأن المصريين لا يزالون مهتمين بما تفكر فيه أميركا فإن التاثير الأميركي من الأفضل تطويره في شكل حوافز، وليس من خلال التهديد وسياسة لي الذراع. ولا بد وأن يتكاتف هنا الاعتراف والاستثمار والآراء الصائبة والتعبير عن الشراكة مع المساعدات المالية. لقد أعادت الإدارة الأميركية تخصيص مواردها من أجل زيادة الدعم للاقتصاد المصري الهش، ودعم مواطنيها الذين يعانون خلال فترة التحول. كما اقترحت الإدارة في ميزانية 2014 رصد مزيد من الأموال لمصر وغيرها من بلدان المنطقة، في حالة قيام تلك الحكومات بالإصلاحات اللازمة. ومثل المساعدات الإضافية يمكن أن تكون بمثابة أداة نافعة لتشجيع أفضل الخيارات.
وعلى الرغم من أن مصر تغيرت على المستوى الجوهري، مما جعل العمل على تأمين المصالح الأميركية أكثر تعقيدًا عما كان عليه الأمر قبل سنوات قليلة، إلا أن ذلك لا يعني أن تنفض أميركا يدها.
ولا تزال مصر هي أكبر وأهم قوة اقتصادية وسياسية وثقافية في العالم العربي اليوم، كما أن موقعها الجغرافي هو واحد من أعظم ملتقيات الطرق الجيوستراتيجية في العالم، وهي أيضًا ممر أساسي لحركة التجارة الدولية، وللتحركات العسكرية الأميركية في العالم.
كما تمثل معاهدة السلام مع إسرائيل حجر الزاوية في الاستقرار الإقليمي، الذي أنقذ ثلاثة أجيال من الإسرائيليين والعرب من حروب مدمرة، مثلما كان الحال قبل اتفاقيات كامب ديفيد.
إن غالبية الشعب المصري من الشباب يريدون بناء أمة تمنحهم فرص الحياة التي حرم منها آباؤهم. كما أنهم يريدون لأمتهم أن تكون بمثابة قوة اقتصادية في المنطقة. وهم يدركون أنهم خلال الألفية الثالثة في حاجة إلى أن تكون مصر على اتصال وثيق بالعالم من حولها، وملتزمة بالقوانين والأعراف الدولية، والأسواق الحرة والتحديث والاستقرار، وهي كلها مطالب تشاركهم فيها الولايات المتحدة.
ونظرًا إلى أن كلاً من مصر وإسرائيل ما زالت مصالحهما الأساسية تتمثل في الحفاظ على معاهدة السلام، فإن مصر والولايات المتحدة ما زالتا تتشاركان في المصالح المشتركة نفسها في مجال الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب، وعدم انتشار الأسلحة والسلام العربي الإسرائيلي. لقد عانى المصريون كثيرًا من التطرف الإسلامي، وتشير استطلاعات الرأي إلى أنهم يرفضون العنف ضد المدنيين بنسب تفوق مثيلاتها في أي دولة من دول العالم.
عانى المصريون كثيرًا من الحروب، ويعلمون أن معاهدة كامب ديفيد قد منحتهم السلام طوال 35 عامًا، وهم يريدون أن يجنوا مزايا السلام الإقليمي. كما أن مصر معارض عنيد للانتشار النووي، وهم في ذلك يشاركون المجتمع الدولي، الذي يواجه مخاطر البرنامج النووي الإيراني، والتصدي لمحاولات إيران إضعاف جهود الاستقرار الإقليمي. ومثال هذا المصالح المشتركة بين المصريين والأميركان هي التي حافظت على الشراكة الأميركية المصرية على مدى سنوات.
وما زالت مصالح أميركا تكمن في علاقات إيجابية وتعاونية مع مصر، وما زال التعاون في موضعه الصحيح، بدليل التعاون معًا لحل أزمة غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
إلا الولايات المتحدة لا يمكنها أن تسمح لنفسها بالتعامل مع مرحلة التحول في مصر من خلال منهج قصير النظر، ولا بد لأميركا أن تفترض أنها تدرك ما سوف تسفر عنه فوضى مرحلة التحول.
ويمكن القول إن الثورة المصرية وما أسفرت عنه من توجهات وتطلعات المصريين للديمقراطية، تعد بمثابة فرصة استراتيجية للولايات المتحدة لبناء شراكة أقوى وأكثر ثقة وأكثر عدالة وإنصافًا، في ظل حكومة مصرية تحظى برضاء الشعب المصري، وتخضع لمحاسبته. ويمكن لأميركا أن تفعل ذلك مع التمسك بمبادئها ومصالحها. ولا ينبغي لأميركا أن تفوت هذه الفرصة التي لا تتكرر إلا مرة واحدة كل عشرات السنين.
ولا بد لأميركا أن تركز على المدى البعيد على هدفين مترابطين وهما: بناء حالة من الاستقرار الدائم في أهم دولة في العالم العربي.
وأن مثل هذا الاستقرار لن يتأتى إلا من خلال مؤسسة أكثر انفتاحًا وأكثر مشاركة وحكومة تخضع للمحاسبة، وتتعامل مع شعبها باحترام وتعمل في جد لتوفير فرص جادة لهم. ومهما كان حجم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية فإن المصريين يرغبون في حل هذه المشاكل من خلال قرارات ديموقراطية. ولا بد للولايات المتحدة أن تساعدهم لبناء مؤسسات وبنية اجتماعية تسهم في تطور التجربة الديموقراطية وازدهارها. إن عملية التحول الديمقراطي في مصر وليس فقط الاستقرار تمثل أهمية للولايات المتحدة. لا سيما وأن ذلك ينعكس على أمن العالم، حيث إنه يضعف موقف الداعين إلى العنف. إن مصر الديموقراطية سوف تكون شريكًا أقوى للولايات المتحدة في تحقيق المصالح المشتركة في مجال الأمن والاستقرار والرخاء في المنطقة والعالم.
أما الهدف الثاني فهو يتمثل في بناء تحالف واسع النطاق في مصر، لدعم علاقات التعاون مع الولايات المتحدة، ولن تعود أميركا إلى تلك الأيام التي كانت مصالح مصر تتحدد بقرار فرد واحد أو زمرة صغيرة، من دون اهتمام للرأي العام المحلي. إن سياسة مصر الخارجية سوف تتأثر بالسياسات الداخلية، الأمر الذي يحتم على أميركا ألا تعول في علاقاتها على فصيل سياسي واحد، وأن تدعم علاقاتها مع ألوان الطيف السياسي كافة، والارتباط بقوة مع المجتمع المصري، وتعريفه بماهية الأميركان، وما يريدونه، وما يمكن أن يقدموه. وهذا في حد ذاته يمثل تحديًا قويًا لأميركا.
ونتيجة لعهود القهر فإن الكثير من المصريين ليس لديهم خبرة بالسياسات الديمقراطية التي تعتمد على مبدأ العطاء المتبادل. إن الفائزين والخاسرين سياسيًا يتطلعون إلى دعم واشنطن، ولكنهم يدينون التدخل الأميركي في الوقت نفسه.
وبالنظر إلى محصلة أول انتخابات مصرية حرة في البرلمان واختيار الرئيس، فإن الديمقراطية لا تضمن فوز الليبراليين المهمشين في العالم العربي، ولا ينبغي لأميركا أن تفترض مسبقًا أن تلك الانتخابات ديمقراطية يمكن أن تضمن نجاح الإسلاميين على المدى البعيد.
إن أميركا في حاجة إلى دعم النظام السياسي الذي يتسم بالتعددية تتنافس فيه كل الأحزاب السياسية علنًا، وتتمتع بحرية الكلام، لا يمكن للانتخابات الحرة أن تتم إلا إذا توفر احترام الحقوق الأساسية السياسية، بما فيها حرية التعبير والحرية الفردية. ولا ينبغي على الرئيس والحزب الحاكم أن يفرض قيودًا على تلك الحقوق. كما تحتاج أميركا إلى التعاون مع قوى السلام الفعالة كافة في المجتمع المصري، كما تحتاج إلى عرض مبادئها بوضوح لكل الأحزاب ليعرف الجميع احترامها لنتائج أي انتخابات حرة وعادلة، وأنها تقبل بأي حزب يحترم الديمقراطية ويرفض العنف، ويلتزم بالمساواة بين المواطنين تحت مظلة القانون وحماية التعددية السياسية.
وتحتاج أميركا إيضًا إلى معرفة الموقف الواضح والصريح للزعماء المصريين في ما يتعلق بمسائل المصالح الأميركية المتمثلة في البرنامج النووي الإيراني، وحل الدولتين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
ولا بد لأميركا أن تحافظ على تواصلها مع الطوائف السياسية كافة في مصر بما في ذلك جماعة "الإخوان المسلمين"، ومن المنظور الأميركي لا بد من الحكم على "الإخوان المسلمين" وغيرهم في البرلمان الجديد من خلال أعمالهم. وحتى الآن يبدو أن هناك أساسًا للحوار واحتمالات الشراكة البناءة.
وإذا ما ألقينا نظرة على الوضع اليوم، أي بعد عام تقريبًا، فسوف نجد بعض المؤشرات المزعجة.
وتشير تامارا كوفمان هنا إلى ما سبق وأن كتبته عن الأحزاب الإسلامية العام 2008، ووضعها عددًا من المعايير لتتعرف من خلالها عما إذا كانت تلك الأحزاب يمكن أن تشارك مشاركة بناءة وهادفة في العملية الديمقراطية، وعما إذا كان من الممكن أن تتخلى عن العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية، وما إذا كان في استطاعتها أن تقبل بمبدأ المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الجنس أو الديانة، وما إذا كان في إمكانها قبول التعددية السياسية ومبدأ تداول السلطة، وما إذا كانت تلح على وجود دور للسلطات الدينية في الإشراف على محصلة ونتائج العملية الديمقراطية السياسية.
وفي ضوء تلك المعايير، فإن جماعة "الإخوان المسلمين" اليوم تثير القلق، فقد باشرت التجربة الديمقراطية بأسلوب يكشف عن ازدواجية حقيقية في ما يتعلق بالمساواة القانونية بين المواطنين كافة، واستعداد للسماح لمسؤولين دينيين غير منتخبين بمراجعة التشريعات، وذلك على الرغم من معارضة المراجعة الإجبارية كما كانت تقترح الأحزاب السلفية. وفي نهاية المطاف تم صياغة الدستور في غالبه على يد ممثلي جماعة "الإخوان المسلمين" والسلفيين، وهو يخضع الحقوق الفردية لسلطة الدولة، كما أنه ضعيف في ما يتعلق بحقوق النساء والفتيات، ويميز بصورة ضارة في ما بين الأديان، لكن أكثر الأشياء المزعجة، وكما جاء في وثائق جماعات حقوق الإنسان، خلال المناوشات التي جرت عند قصر الرئاسة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وكما أشارت إليه تقارير صحافية في الأسابيع الأخيرة ، فإن جماعة "الإخوان المسلمين" والرئيس محمد مرسي، قد كشفوا عن رغبة في التستر والتغاضي عن استخدام العنف والتعذيب على يد كوادر الحزب، وعلى يد أجهزة الأمن الداخلية ضد نشطاء المعارضة والصحافيين، والمثير للدهشة أنها كانت التكتيكات نفسها التي كان مبارك يستعين بها ضد جماعة "الإخوان المسلمين" وغيرهم من خصوم النظام القديم.
وينبغي لأميركا أن تعرب عن قلقها إزاء مؤشرات انتهاك جماعة "الإخوان المسلمين" لما هو متوقع من الأحزاب التي تريد أن يعترف العالم بشرعيتها في العملية الديمقراطية، ولا بد للولايات المتحدة أن تتعامل مع هذه المخاوف بطريقة متسقة وعلى أعلى المستويات، ولكنها ينبغي أن تعترف أيضًا بأن جماعة "الإخوان المسلمين"، وعلى الرغم من عيوبها كافة، هي من فازت في أكثر الانتخابات نزاهة وحرية في تاريخ مصر الحديث، ومن المتوقع أيضًا أن تفوز في الانتخابات المقبلة. والواقع أن جماعة الإخوان تشكل قوة ضخمة في السياسة المصرية، ليس فقط لأنها تحظي بتمويل جيد وتنظيم جيد وانضباط، وإنما لأنها تمثل قطاعًا عريضًا ومهمًا من الناخبين في مصر.
وقد لا تستمر جماعة الإخوان في السلطة إلى الأبد، ومع ذلك فلا يمكن لأميركا أن تتجاهلها، أو أن تتمنى إبعادها أو تقهقرها، وأن ما يمكن لأميركا أن تفعله هو أن تعلن صراحة أن فوز الجماعة في الانتخابات لا يغفر لها تخليها عن التزاماتها الأساسية بالأعراف والتقاليد الديموقراطية، وذلك إذا ما أرادت الجماعة أن تحظي  بالاعتراف على الساحة الدولية، كحزب ديمقراطي شرعي في  مصر.
ويتمثل النفوذ الأميركي الحقيقي في أن حكومة "الإخوان" في مصر  تريد اعترافًا أميركيًا، وتتطلع إلى الشراكة مع أميركا، ولهذا فإن  الولايات المتحدة لا بد وأن تتعامل مع الزعامات المنتخبة في  مصر، حتى بصرف النظر عن الخلافات العميقة التي قد تفصل  بينها وبينهم، لا سيما وأن أميركا تفعل ذلك في أنحاء العالم كافة، سعيًا لتحقيق مصالحها، ولكن ينبغي على أميركا أيضًا أن تعلن أن ارتباطها على هذا النحو لا يعني التصديق والموافقة.
ويمكن لأميركا أن تساعد في مصر هؤلاء الذين يطالبون دائمًا بمحاسبة الحكومة، ودعم هؤلاء الذين يدافعون عن حقوق الإنسان، والذين يعملون على إنشاء مؤسسات مجتمع مدني قوية ونشطة، وأنظمة سياسية تعددية يمكن أن تشكل منافسًا حقيقيًا لـ "الإخوان".
كشفت جماعة "الإخوان المسلمين" عن تفضيلها الدائم لما يسمى بمبدأ الغالبية على مبدأ التعددية، وهذا يعني أنهم يعتقدون بأنهم طالما فازوا بالانتخابات، ولو بفارق ضئيل، فإن من حقهم أن ينفردوا باتخاذ القرار السياسي، بصرف النظر عما يفضله الآخرون، إلا أن أزمة الدستور والفشل في تحقيق اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يكشف لهم أن الغالبية ليست كافية، وأنه من الضروري وجود إجماع سياسي أوسع لضمان أن تحظى القرارات بالدعم اللازم. وهذا في حد ذاته درس قاسٍ لهؤلاء الذين قد يشعرون أنهم انتظروا عشرات السنين، من أجل الحصول على فرصة للوصول إلى الحكم.
إلا أن مصر بعد الثورة لن تعود مرة أخرى إلى مرحلة يستطيع فيها حزب أو رئيس أن يحكم على نحو طليق ومن دون محاسبة. وكشف العامان الماضيان عن تنوع الرؤى السياسية للمصريين، وبمرور الزمن فإن توفر بيئة يتم خلالها احترام حقوق الإنسان والتعددية سوف يؤثر على نتائج الانتخابات. ولن يكون أمام جماعة "الإخوان المسلمين" سوى تعلُّم فن التعامل مع من حولهم أو الفشل في عيون المصريين والعالم من حولهم.
وما من شك في أن الدستور المتعجل، وقانون الانتخابات المتصدع، والتدهور في مجال حقوق الإنسان، وعدم الشفافية الانتخابية من شأنه أن يعود بـ "الإخوان" من جديد إلى أجواء العزلة الباردة.
وينادي البعض بمقاطعة الانتخابات، ويطالب البعض بتظاهرات الشوارع لإرغام الرئيس مرسي على الرحيل، والبعض الآخر يطالب بانقلاب عسكري.
ولو استمر الطرفان في التعامل مع تنافسهما السياسي من خلال معركة لا رابح فيها ولا خاسر، فإن كلا الطرفين سوف يخسر، وقد  تذهب معهما مصر كلها إلى الهاوية. ولا شك في أن الشواهد كافة في الشارع المصري تبعث على القلق الأميركي، وتتمثل هذه الشواهد في أزمة ميزان المدفوعات، وأزمات الوقود والخبز، وغليان الشارع المصري، واستخدام الشرطة للذخيرة الحية وتعذيب النشطاء.
أصوات قليلة في مصر هي من تدعو إلى الحوار والحلول الوسط، وهذه الأصوات هي من ينبغي أن يحصل على الدعم من جانب الولايات المتحدة. وهناك الكثيرون الذين يقولون للقيادة المصرية بألا
تقلق، وأن المساعدات الدولية قادمة، وأن الأمور سوف تستقر بعد الانتخابات. وتحتاج أميركا ان تكون صديقة لمصر، وهذا يعني أنها في حاجة إلى قدر كافٍ من الاحترام والأمل، من أجل صداقة مع الزعماء المصريين تعتمد على الصدق والحقيقة.
والحقيقة أن الرئيس مرسي لا يمكنه اتخاذ قرارات اقتصادية صعبة، وهي القرارات التي يحتاجها للحصول على قرض صندوق النقد الدولي، والحصول على مزيد من المساعدات المالية من المجتمع الدولي، وذلك ما لم يتوافق مع المعارضة. إنه في حاجة إلى مساعدة المعارضة من أجل استقرار البلاد .
والحقيقة أن أي انتخابات لا تحظي بالمشاركة من جانب المعارضة سوف تسفر عن برلمان من دون دعم كامل من المجتمع المصري.
وعلى الرئيس وحزبه أن يعملوا على أن تكون هذه الانتخابات معبرة عن الأحزاب كافة. وهذا قد يتطلب تعديل قانون وإجراءات الانتخابات.
وعلى المعارضة المصرية أن تتأكد من أنها تقدم للناخب المصري خيارًا حقيقيًا ومشاركة فعالة، وأن المقاطعة يمكن أن تعقد وتزيد حالة الاستقطاب في مصر، وتزيد من أزمتها السياسية.
والحقيقة أيضًا أن تدخل الجيش وتوليه السلطة سيكون بمثابة كارثة لمرحلة التحول الديموقراطي في مصر وكارثة لاستقرار مصر وكارثة للجيش المصري نفسه. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى مظاهرات واحتجاجات ضخمة في الشوارع، وتعقيد الحالة الأمنية في المدن المصرية، وبالتالي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بدليل ان فترة الحكم العسكري السابقة شهدت محاكمة أكثر من 10 آلاف مواطن أمام المحاكم العسكرية، كما أن تدخل الجيش سوف يحول موارده من الحدود المصرية ومكافحة الإرهاب، ويقلل من قدراته على التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، في الوقت الذي ينتظرها مواجهة عسكرية مع إيران.
والواقع أن الجيش المصري يمكنه أن يساعد في استقرار مصر والحيلولة دون تفاقم الأزمة، ليس عن طريق الانقضاض على السلطة وإنما كما فعل العام 2008، من خلال تعويض الجماهير بمساعدتهم في أزمة ارتفاع الأسعار ونقص الخبز، عن طريق تسخير مخابزه ومنافذ توزيع الخبز. ولا شك في أن مثل هذا له تبعاته السياسية، من خلال التعهد بدعم حكومة مدنية تعمل على أساس من الإجماع السياسي، وتهدف إلى الاستقرار وليس تهديد
التجربة الديمقراطية المصرية الناشئة.
وبعبارة أخرى، فإن مرحلة التحول الديمقراطي في مصر ما زالت في مراحلها الأولى التي يحوطها الغموض والالتباس، وإن الولايات المتحدة تولي هذه المرحلة الانتقالية اهتمامًا كبيرًا، وأنها قادرة على التأثير على مسارها.
ويرغب المصريون في علاقة مع الولايات المتحدة على أسس من المساواة والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل، ويريد المواطن المصري العادي حكومة تحترم حقوقه وكرامته، وتلبي أولوياته وتعمل على إسعاده، وهذا ما تريده أميركا لهم، وعلى الزعامة المصرية والنخبة السياسية في البلاد أن تلبي تلك المطالب، وإلا فإنها ستواجه البديل المتمثل في استمرار الاحتجاجات وعدم الاستقرار، ولا بد لأميركا أن تستغل نفوذها لدعم هؤلاء الذين يعملون في مصر على بناء ديمقراطية دائمة، وشراكة مثمرة مع الولايات المتحدة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسة الأميركية نحو مصر تعتمد على استمرار معاهدة السلام وضمان أمن إسرائيل السياسة الأميركية نحو مصر تعتمد على استمرار معاهدة السلام وضمان أمن إسرائيل



GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 23:18 2020 الثلاثاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

«مو ضروري» لـ ماجد المهندس تحصد 35.2 مليون مشاهدة

GMT 06:41 2014 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

السير المعوج

GMT 02:18 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

يسرا تكشف سبب اعتذارها عن مسلسل "الزيبق"

GMT 12:07 2020 الأحد ,20 أيلول / سبتمبر

وفاة نائب رئيس حكومة أوزبكستان بفيروس كورونا

GMT 00:31 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

دراسة تؤكد أن الكلاب لا تفهم البشر جيدًا

GMT 13:32 2014 الإثنين ,03 شباط / فبراير

إغلاق بورصة الأردن على تراجع بنسبة 0.18%
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia