الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي (يسار) وسلفه علي عبد الله صالح
صنعاء ـ علي ربيع
فجّر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، قنبلة غير متوقعة، في المشهد السياسي، حين وجه اتهامات ضمنية، للرئيس السابق علي عبدالله صالح، بأنَّه يقف عائقًا أمام إنجاز التسوية السياسية في البلاد، مهددًا إياه بإلغاء قانون الحصانة من المساءلة القضائية، وتقديمه للمحاكمة، وكشف ملفات الفساد في
الجيش التي قال هادي إنَّها تقدر بالمليارات، ملمحًا بمسؤولية صالح وأتباعه عنها.
جاء ذلك في أعقاب كلمة للرئيس هادي، كان ألقاها الأحد، في افتتاح ندوة بخصوص إعادة هيكلة أجهزة الأمن اليمنية وقوات الشرطة، في بادرة يراها المراقبون السياسيون، بدايةً صريحة تعلن خروج هادي عن صمته، تجاه الأفعال التي يقوم بها سلفه، والأنشطة السياسية، ونقد الحكومة، فضلاً عن التحالفات التي لازال يقيمها مع زعامات قبلية، وشخصيات سياسية.
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر، قد وصف صالح في تقريره الأخير، الذي قدمه إلى مجلس الأمن، بأنَّه "يتصرف كزعيم للمعارضة"، ويوجه انتقادات شديدة للحكومة التي يشارك حزبه في نصف حقائبها، بغض النظر عن ترؤس معارضيه السابقين لها.
وكانت مصادر محلية متطابقة، حضرت الندوة ، واستمعت لكلمة هادي، التي طلب في آخرها إيقاف التسجيل الإعلامي، لتوجيه رسائله شديدة اللهجة للرئيس صالح، الذي رغم خروجه من السلطة فإنَّه لا يزال على رأس حزب المؤتمر الشعبي العام، الشريك في الحكومة وصاحب الأغلبية المطلقة في البرلمان الحالي، فيما يحتل الرئيس هادي في الحزب نفسه، منصبي، النائب الأول للرئيس، والأمين العام، ويحظى بدعم جناح واسع ، لم يعد راضيًا عن بقاء صالح في قيادة الحزب ويدعم أن تؤول رئاسته إلى هادي، كما يستحسن انسحاب صالح من العمل السياسي، بوصفه عامل استفزاز للقوى السياسية والحزبية، التي آزرت الاحتجاجات الشعبية ضد نظامه، والتي ترفض أن يكون صالح طرفًا في مؤتمر الحوار الوطني.
وشهد اليمن مطلع 2011، احتجاجات شعبية، تطالب برحيل النظام، وكادت أن تعصف باليمن في أتون حرب أهلية، لما رافقها من أعمال عنف، طالت المحتجين، وانشقاق في الجيش، ما جعل دول الخليج العربي تتقدم بمبادرة لإنهاء الأزمة، بدعم غربي وأممي، حيث ضمنت لصالح وأركان حكمه حصانة قضائية، بموجب قانون صادر من البرلمان، كما ضمنت قيام حكومة وفاق وطني، وانتخاب هادي الذي كان نائبًا لصالح، رئيسًا توافقيًا لمدة عامين، يشهدان إصلاحات مؤسسية يوحد فيها الجيش والأمن، ويعقد خلالهما مؤتمر للحوار الوطني الشامل، ينتج عنه دستور جديد يحدد ملامح نظام الحكم وبناء الدولة.
وأكدت المصادر أنَّ الرئيس هادي بعد أن قامت الحراسة الخاصة به من التأكد من إغلاق كاميرات التصوير، تحدث بشفافية مطلقة، في ندوة إعادة هيكلة أجهزة الأمن اليمنية وقوات الشرطة، محذرًا ومتوعدًا أولئك الذين يتدخلون في أعمال الجيش والأمن، ومن يمارسون أعمال التفجيرات والاغتيالات. وبحسب المصادر، فقد تضمن حديث الرئيس هادي تهديدًا واضحًا للرئيس السابق علي عبد الله صالح، حيث قال "نقول للمناضل الكبير: كفاية, وإلا سنحيل نتائج لجان الحصر العسكرية للقضاء، ولا يركنوش (لا يعتمدوا) على قانون الحصانة, فمثلما صلحناه (أصدرناه) بكلمتين في البرلمان سيتم إلغاؤه بكلمتين".
من جانبها، نقلت مصادر أخرى، المعنى السابق نفسه، وأوردت رواية مقاربة، أكدت أنَّ الرئيس هادي قال خلال حديثه" "ونقول لهم أن يبطلوا أعمال التفجيرات والاغتيالات، وأنا ممكن أصدر قرارًا بإلغاء الحصانة وفتح الملفات واسترجاع الأموال ، وأنا أقول للمناضل الكبير إنَّ المرحلة الآن ليست مثل وثيقة العهد والاتفاق ،وإنَّما مرحلة جديدة، نريد أن نبني فيها يمنًا جديدًا" (في إشارة منه إلى اتفاقية العهد والاتفاق التي وقع عليها صالح ونائبه علي سالم البيض في الأردن عام 1994، والتي أعقبتها الحرب بين مؤيدي الوحدة والانفصال).
وفي حين لم تنف المصادر الرسمية أو الرئاسية، ما أوردته تلك المصادر عن الهجوم غير المسبوق من قبل الرئيس هادي على سلفه، كان هادي نفسه، قد استبعد أن يحاكم الرئيس السابق، أو يتم محاسبته، في أكثر من حديث سابق، آخرها عقب المباحثات التي أجراها مع المستشارة الألمانية، ميركل إبان زيارته إلى برلين في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، حيث قال هادي " إنَّ صالح وقّع على المبادرة الخليجية التي تنص على إجراء انتخابات مبكرة، وقام بتسليم السلطة، وهو يحظى بحصانة من المساءلة القضائية من البرلمان، ولن يتعرض للمحاسبة".
في السياق ذاته، استبعد مراقبون سياسيون، أن تكون تهديدات هادي للرئيس صالح على محمل الجد، بسب ما يحظى به الأخير من دعم شعبي وقبلي وحزبي، قد يؤدي تنفيذ هادي لها، نذيرًا بنسف المرحلة الانتقالية برمتها، مرجحين أنَّ هادي يريد من هجومه أن ينبه صالح إلى استيائه من محاولة الأخير استئثاره بقرارات حزب المؤتمر الشعبي، في رسالة حادة مفادها أن يترك صالح للرئيس هادي عملية اختيار ممثلي الحزب في مؤتمر الحوار الوطني المزمع انعقاده.
من ناحية أخرى لم تستبعد المصادر أن يكون لهجوم الرئيس هادي على سلفه، علاقة بالأنباء التي ترددت حول رفض نجل الرئيس السابق،العميد أحمد علي، الذي لايزال على رأس قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، أوامر من وزير الدفاع اليمني محمد ناصر أحمد لتسليم الصواريخ الروسية (نوع سكود) التي بحوزة الحرس إلى مخازن وزارة الدفاع.
وقد ذكرت في هذا السياق، مصادر إعلامية محلية ، أنَّ نجل صالح، العميد أحمد علي، لجأ، في وقت سابق هذا الأسبوع، إلى الرئيس هادي يشكو أوامر وزير الدفاع، وأنَّ نقاشًا حادًا دار بينه وبين الرئيس هادي، وصل إلى حد أن طلب نجل صالح من هادي أن يقيله، من قيادة الحرس، إذا كان سيوافق على طلب وزير الدفاع، وهو المقرب من خصمه اللدود وخصم والده، اللواء علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع، والمنطقة العسكرية الشمالية الغربية.
ويهيمن الجنرال محسن على قطاع واسع من الجيش، الذي انشق معه عن نظام صالح، إبان الاحتجاجات الشعبية في آذار / مارس 2011، برغم قرابته القبلية من صالح، وعلاقته المميزة به، ونفوذه الواسع إبان حكمه، بينما لا يزال يشكل هو ونجل صالح بؤرتي الانشقاق في الجيش اليمني، الذي يسعى الرئيس هادي إلى إعادة هيكلته مرحليًا، كما يحاول توحيد قيادته، عبر قرارات رئاسية يحتمل صدورها قبل بدء الحوار، حيث تتضمن إقالة اللواء محسن والعميد أحمد، لما يشكله بقاءهما على طرفي نقيض في جناحي الجيش اليمني من مخاطر محدقة، يمكن أن تعصف، كما يقول المراقبون، بالبلاد، وتعيدها إلى مربع ما قبل التسوية.
وفي حين يسود التوتر حاليًا في عموم المشهد السياسي اليمني، تزداد الاضطرابات الأمنية، وسط ترقب ببدء الحوار الوطني الشامل الذي لاتزال قوى الحراك الجنوبي ترفض المشاركة فيه، مطالبةً باستعادة دولة الجنوب، وفك الارتباط عن الوحدة اليمنية التي نشأت بين شمال اليمن وجنوبه في عام 1990.
ويتوقع أن تعقد، فصائل في الحراك الجنوبي مؤتمرًا لها، هذا الأسبوع، بزعامة القيادي في الحراك محمد علي أحمد، استباقًا لمؤتمر تستضيفه العاصمة السعودية الرياض، يجمع قادة الحراك الجنوبي في الداخل والخارج، لمحاولة الضغط عليهم للقبول للمشاركة في مؤتمر الحوار.
وفي الوقت الذي يتسارع مد جماعة الحوثي (الشيعية) في شمال اليمن، بات حضورهم السياسي يترقب الأحداث، ويلعن عن نفسه، بصورة قوية، من خلال خطابات عبد الملك الحوثي، زعيم الجماعة التي تسمي نفسها "أنصار الله"، والتي ترفع شعارات عدائية تنادي بموت أمريكا وإسرائيل، محاولة استنساخ تجربة حزب الله اللبناني في شمال اليمن.
وكان عبدالملك الحوثي، قد شن هجومًا عنيفًا على القوى السياسية اليمنية الحاكمة، واتهمها بالاستئثار بالسلطة والثروة، وقال إنَّ الثورة اليمنية لم تنتصر بعد، وأنَّ ما جرى ليس أكثر من انتصار قوة كانت شريكة في النظام السابق على قوة أخرى كانت تقاسمها السلطة وثروة الشعب، ملوحا بقدرة جماعته على خوض الصراع، إن لم ينجح الحوار الوطني في اليمن.
أرسل تعليقك