تهميش وإقصاء الفنان العراقي في بلده يستمر بعد مماته
آخر تحديث GMT09:18:26
 تونس اليوم -

للغربة صوت موجع في غياب ممن تعودنا حضورهم

تهميش وإقصاء الفنان العراقي في بلده يستمر بعد مماته

 تونس اليوم -

 تونس اليوم - تهميش وإقصاء الفنان العراقي في بلده يستمر بعد مماته

الفنان الكبير بدري حسون
بغداد – نجلاء الطائي

عندما تدخل ناحية القبو الكئيب أو "المقبرة " هذا المكان البائس الذي يقع في أحد الأحياء الفقيرة في مدينة الرباط المغربية يعيش الفنان الكبير بدري حسون فريد وهو يحرق أيامه بين الأمل والعمل والانتظار لغدٍ مجهول .

العراق الذي لا يحب مبدعيه؟ العراق الذي يتغنى بالغرباء ويجافي أهله و أبنائه المبدعين؟ العراق الذي يتنكر لأصحاب العطاء والمخلصين، من المسؤول عن الوضع السيء بل المحزن  للهرم المسرحي الكبير بدري حسون فريد؟ الضائقة المالية، العوز الحقير الذي يعيشه، المكان البائس الذي يسكنه، وهو الذي أفدى سنوات حياته من أجل ترسيخ شيء اسمه الفن الملتزم والمسرح العراقي، بدري ذلك الفنان العصامي الذي لم يهادن سلطانًا أوحاكمًا، سعى مع رفاق جيله لمسرح يمتلك مقومات بقائه وحقيقة وجوده.

ويبقى السؤال كيف هي أحوال الفنانين الآخرين الذين تشردوا من بلادهم بعد عام 2003 ؟ الصور تبكي كل عراقي يحب وطنه وكل عربي يهمه مصير الفنانين والمثقفين العراقيين .

ويتعرض المثقف العراقي إلى تهميش وإقصاء من قبل الحكومة، ومن الضروري توفير الدعم والرعاية الكريمة له في حياته وليس الاكتفاء بجلسات استذكارية بعد وفاته، ورحل عدد من الفنانين العراقيين الذين توقفت آجالهم عند محطّات، صارت علامات فارقة في حياتهم، ستكون ربما عند محبيهم منارات استذكار، وتنوّعت أسباب الرحيل ما بين الشيخوخة والأمراض والحوادث، فيما كان للغربة صوت موجع في غياب البعض منهم بعيدًا عن وطنه لينضمّ إلى قافلة المبدعين الذين فارقت أرواحهم الحياة تحت ظلال الغربة.

وحصاده بالفنان وجدي العاني في دولة الإمارات، ووافته المنية بسبب المرض بعد أن تعرّض إلى أزمات صحيّة شديدة بسبب إصابته بأمراض أخرى مثل السكري الذي أدى تفاقمه إلى إصابته بالغرغرينا التي أوصلته إلى بتر قدمه وجعلته لا يقوى على الحركة إلا بواسطة كرسي مدولب، ويبدو أن المحاولات العلاجية الكثيرة التي تلقاها سواءً في داخل العراق أو خارجه لم تجدِ نفعًا، فكان الرحيل عن الدنيا من أرض إمارة أبوظبي، ويُعدُّ العاني من مؤسسي الفرقة القومية للتمثيل وعمل ممثلًا ومخرجًا في الكثير من الأعمال المسرحية والسينمائية التي قدمت على مسارح ودور العرض السينمائية في بغداد، وله الكثير من الكتابات والمشاركات في مجال الإذاعة والتلفزيون.

 أمّا ثاني الملتحقين بقافلة الراحلين فهو الفنان صادق علي شاهين الذي أدركه الموت بعد معاناته مع مرض عضال، في منزله في بغداد عن عمر يناهز 74 عامًا، وهو يُعدُّ واحدًا من الفنانين الذين تركوا بصمة في التمثيل في التلفزيون والإذاعة والمسرح والسينما، فضلًا عن الإدارة، وشغل مناصب كثيرة أهمّها مدير الإنتاج التلفزيوني في تلفزيون العراق.

 ليرحل المخرج فاروق القيسي الملقّب بشيخ المخرجين عن عمر ناهز 72 عامًا، وكان الراحل يعمل قبل وفاته على إخراج فيلم سينمائي قصير بعنوان "اغتيال مع وقف التنفيذ"، ويُعدُّ من أبرز مخرجي الدراما التلفزيونية، وله أفلام تسجيلية ومسرحيّات وبرامج أطفال وأعمال فنية أخرى تجاوز عددها الألف عمل فني.

وبدأ المخرج الراحل فاروق القيسي، وهو من مواليد بغداد عام 1941، مشواره الفني بعد تخرّجه من المعهد العالي للسينما في القاهرة عام 1965، وإلى جانب عمله في السينما كانت للمخرج الراحل مواهب فنيّة كثيرة مثل الرسم والنحت والموسيقى، وكان له الفضل على الكثير من المخرجين الشباب الذين ساهم في تكوينهم ، وكانت له فرصة العمل مع مخرجين مصريين كبار مثل صلاح أبوسيف، ويوسف شاهين، وتوفيق صالح.

 وضمّت قافلة الراحلين الفنان رضا الشاطي الذي توفي في مستشفى في العاصمة السويدية ستوكهولم، عن عمر يقارب 89 عامًا، ودفن في مقبرة إسلامية هناك، وكان الراحل ممثلًا كوميديًا مميزًا بين أقرانه، لاسيما أن في بداياته مع التلفزيون حيث كان هناك الكثير من البرامج التي تتنافس من أجل الحصول على إعجاب الجمهور. نجح في المسرح والتلفزيون والسينما إلّا أن تقدّمه في السن وسوء أحوال البلد دفعته للرحيل مع عائلته.

 والتحق بقافلة الراحلين المذيع موفق العاني، الذي توفي في انفجار سيّارة مفخّخة أمام جامع الإحسان في مدينة المنصور وقت صلاة العشاء، مع شقيقه اللواء مظفر العاني، ويُعدُّ الراحل واحدًا من أبرز المذيعين العراقيين، ترك بصمة صوته في ذاكرة الناس على مدى عقود طويلة من خلال إذاعة بغداد أولًا، كما له حضور على شاشة التلفزيون من خلال قراءة نشرات الأخبار، وتخرّج من بين يديه العشرات من المذيعين الذين أخذوا مجالاتهم في الإذاعة والتلفزيون، يحمل الراحل شهادة بكالوريوس إعلام، يُجيد اللغة العربية والإنجليزية، ودخل الإذاعة في الثاني من نيسان عام 1962 وهو في مرحلته الإعدادية، عمل مذيع أقدم لإذاعة بغداد، ومن ثم إذاعات دجلة والرشيد والمؤتمر، كما عمل مديرًا في الخطوط الجوية العراقية، ومشرفًا لغويًا في الكثير من الإذاعات وتتلمذ على يد كبار الإذاعيين.

والتحق الملحّن الكبير طالب القره غولي بالركب حينما فارق الحياة عن عمر ناهز الـ74  عامًا في أحد مستشفيات محافظة ذي قار، بعد صراع مرير مع مرض السكري، ويُعدُّ القره غولي علمًا فنيًا من أعلام العراق في مجال الغناء والموسيقى، اشتهر على الصعيد العربي مع كبار الفنانين الموسيقيين العرب لنبوغه وإبداعه الموسيقي الذي لفت إليه انتباه كبار الفنانين العرب، وقدّم أعمالًا فنية وألحانًا رائعة كثيرة يصفها الكثير من النقاد الموسيقيين بالخالدة، وتمثل حقبة مهمّة في التاريخ الموسيقي الغنائي في العراق، غنى له جميع مطربي ومطربات العراق فضلًا عن مطربين ومطربات عرب، وترك بصماته الفنية على مرحلة تمتد لأكثر من 40 عامًا، وكان رحيله صدمة مؤلمة لأصدقائه ومحبيه وجمهوره.

 ورحل عن الدنيا أيضًا الفنان العراقي فلاح صبار في أحد المستشفيات جنوب السويد بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز 63 عامًا، ويُعدُّ من المطربين والملحّنين والموسيقيين الأكاديميين، برز في سبعينات القرن الماضي إلّا أنه سرعان ما غادر العراق وعمل مع الدراما السورية، ثم توجّه بعد ذلك إلى أوروبا وهناك صاغ الكثير من الألحان ومنحها لمطربين مختلفين، واختص بتأليف المقطوعات الموسيقية.

 وشهد  رحيل المطرب صلاح عبد الغفور في حادث سير على طريق المطار في أربيل، عن عمر يناهز 60 عامًا ، مخلفًا وراءه تراثًا غنائيًا كبيرًا يتمثل بثلاثين ألبومًا، وأكثر من 300 أغنية، غنى المقام العراقي والأغاني العراقية التراثية، وكذلك غنى الأغنية العاطفية والوطنية، غنى الكثير من المطربين في ما بعد أغانيه وأشهرهم الفنان التركي الكبير إبراهيم تاتليس الذي قدّم أغنيته الشهيرة "شلونك عيني شلونك".

 ورحل المخرج عماد عبد الهادي الذي وافاه الأجل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الرابعة والستين عامًا في الولايات المتحدة الأميركية، ونُقل جثمانه من ولاية ديترويت الأميركية التي كان يعيش فيها سنواته الأخيرة، ويُعدُّ الراحل شخصية فنية بارزة تحوّل من التصوير إلى الإخراج فكانت الإنعطافة الأهم في حياته الفنية، وأظهر قدرة فائقة في الإخراج التلفزيوني ليطبع فيها أهمّ أعماله على الشاشة الصغيرة من بينها : "حكاية لها وجهان" و"أحلى الكلام" و"الجرح" و"تمثيلية ثابت أفندي"، و"أشهى الموائد فى مدينة القواعد"، و"رائحة القهوة"، و"صفر زايد صفر ناقص" و"قيس ولبنى".

 ورحل المطرب جميل قشطة عن عمر يناهز التسعين عامًا، ويُعدُّ الراحل جزءًا من ذاكرة الأغنية البغدادية وتاريخها الذي احتضن الكثير من المطربين العرب، ولد في فلسطين وجاء إلى العراق أواخر الأربعينيات وعاش في بغداد، يُعدُّ من جيل المطربين الذين ظهروا أواخر الخمسينات في بغداد وبرزوا في أوائل الستينيات ونال حظًا جيدًا من الشهرة، فظل في الذاكرة الشعبية وقتًا طويلًا، وقد تميّزت أغانيه بالنكهة البغدادية والعربية الأصيلة وفي إدائه المتميز بالهدوء ورخامة صوته، قدّم عددًا من الأغنيات على شاشة تلفزيون بغداد في أواسط الستينات ومن خلال إذاعة بغداد.

ورحل الفنان المسرحي الرائد أسعد عبد الرزاق الذي وافاه الأجل يوم 8 تشرين الثاني/نوفمبر بسبب الشيخوخة عن عمر 90 عامًا، وهو مؤسّس فرقة 14 تموز المسرحية وعميد كلية الفنون الجميلة الأسبق، ويُعدُّ من الفنانين العراقيين المخضرمين والرواد الأوائل، له رصيد كبير من الأعمال الفنية على مختلف مجالاتها، تولى منصب عميد معهد الفنون عام 1961، وفي عام 1971 أصبح عميدًا لكلية الفنون الجميلة وبقي في منصبه لمدة 17 عامًا، وعند إحالته إلى التقاعد عام 1988 كانت الكلية تحتوي على سبعة أقسام وثلاثة آلاف طالب، أسّس مع المرحوم وجيه عبد الغني فرقة 14 تموز عام 1959 وكانت واحدة من أهم الفرق في بغداد إلى جانب فرقة المسرح الفني الحديث التي أسسها الفنان يوسف العاني، وقدمت عددًا كبيرًا من العروض  مثل مسرحية "الدبخانة" التي عرضت للمرة الأولى عام 1960 ولقيت شهرة واسعة، ومسرحية "كملت السبحة" و"أيدك بالدهن" و"جزه وخروف" و"جفجير البلد" وغيرها، والتي كان مخرجًا لأغلبها .

 ورحل الفنان سامي عبد الأحد، عن عمر يناهز الـ78 عامًا، صاحب لقب "ملك الطبلة في العالم" الذي ناله من مهرجان الرين في باريس عام 1984 إثر مشاركته مع 40 عازف إيقاع من بلدان العالم، وكان من أوائل العازفين الموسيقيين الذين ظهروا على شاشة تلفزيون بغداد منذ تأسيسه مرافقًا للمطرب ناظم الغزالي، بدأ حياته الفنية وهو في سن الرابعة عشرة وعاش امتحانًا صعبًا، ترافق مع زيارة الفنان الراحل محمد عبد المطلب في العام 1949 إلى بغداد وصادف أن غاب عازف الإيقاع لأسباب شخصية عن الفرقة فلم يكن من والده إلا أن يزجّه مع الفرقة للعزف على الطبلة، عزف مع الفرقة مرتديًا زي المدرسة الإبتدائية فنجح، عانى المرارات في سجون البعث منذ عام 1963 وكان مناضلًا، لم ينحنِ لأبواق الأنظمة، واشتهر بفنه كعازف إيقاع ضمن "فرقة الإيقاعات العراقية" التي قادها، وهو القائل إنه حوّل آلة الطبلة من آلة إيقاعية إلى آلة موسيقية.

وانضم إلى قائمة الراحلين في قافلة المطرب فؤاد سالم عن عمر يناهز الـ 63 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض في سورية، وكان الفنان راقدًا على سرير المرض في أحد المستشفيات هناك لأكثر من سنتين حتى أصبح في وضع لا يحسد عليه بسبب هذه الأمراض، يُعدُّ من كبار المطربين المتميزين بالتزامه الوطني، بدأ الغناء عام 1963 وكان متأثرًا بالمطرب العراقي الكبير ناظم الغزالي، أول ظهور علني له مع أول أوبريت غنائي عراقي "بيادر الخير" في بداية السبعينيات، وكان من إخراج الفنان قصي البصري، ثم أتبعه بعد عام بأوبريت "المطرقة"، ظهر للمرة الأولى على شاشة التلفزيون العراقي عام 1968 من خلال برنامج "وجه لوجه"، تبناه في بداية الأمر عازف القانون الفنان سالم حسين ومنحه اسمه فكان "فؤاد سالم" الذي اشتهر به، وهو الذي لحّن له أوّل أغنية في حياته الفنية وهي أغنية "سوار الذهب" من كلمات جودت التميمي، ثم غنى "مو بدينه نودع عيون الحبايب" التي لحنها محمد نوشي عام 1975، وغادر العراق لأسباب سياسية بعدما فصلوه من معهد الفنون، من ثم منع من الغناء في الأماكن العامة، كما منع من دخول مبنى الإذاعة والتلفزيون ثم تعرّض للاعتقال، هرب إلى الكويت وظل في بداية خروجه من العراق يتنقل في منطقة الخليج، لكنه اضطر بسبب مضايقات النظام السابق مغادرة الخليج إلى أميركا التي تركها في ما بعد، واستقر في سورية التي شهدت نهاية حياته.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تهميش وإقصاء الفنان العراقي في بلده يستمر بعد مماته تهميش وإقصاء الفنان العراقي في بلده يستمر بعد مماته



GMT 11:06 2021 الإثنين ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

عرضان مسرحيان مصريان في مهرجان أيام قرطاج المسرحية

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:53 2014 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

"Facebook messenger" سيكون متاحًا لويندوز فون بعد أسابيع

GMT 11:08 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

وقف الهدر والتبذير..شعار الكويت الجديد

GMT 16:21 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

اجتماع تقني يجمع مسؤولي منتخبَي مالي وتونس

GMT 11:21 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 14:25 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم الرعب "Jigsaw" يحقق 32 ميلون دولار في أسبوع عرضه الأول

GMT 09:26 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

سوسيج تري كامب السحر الحقيقي للحياة البرية

GMT 20:34 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

"HER" BURBERRY عطر المرأة الجريئة الباحثة عن التميز

GMT 12:54 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

أبسط وأسهل طريقة لاختيار الحجاب الملون بأناقة

GMT 13:37 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

كأس ألمانيا: دورتموند وشتوتغارت وبوخوم إلى ربع النهائي

GMT 03:00 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة "الإرهاب" كلفت تونس 4 مليارات دينار
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia