كشف مسؤول رفيع المستوى في مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" ، أن إصدار المؤسسة لمبادئ التمويل المسؤول للأفراد أخيراً، يهدف لتشجيع التمويل المسؤول للأفراد الذي يلبي الاحتياجات الفعلية للأفراد، خاصًة تلك المتعلقة بالحصول على المساكن والأصول بدلاً من الأغراض الاستهلاكية، التي تنامَتْ بشكل كبير خلال العشرة أعوام الماضية.
وقال يزيد آل الشيخ، المدير العام للرقابة على البنوك في مؤسسة النقد العربي السعودي، إنّ تلك المبادئ تهدف أيضًا إلى تعزيز الشمول المالي من خلال توفير التمويل المناسب لجميع فئات المجتمع، مع مراعاة نسب التحمل ضمن نطاق يمكن للفرد تحمله والحد من مخاطر تعثرهم، إضافة إلى أنها تهدف إلى ضمان العدالة والتنافسية بين الممولين بما يحافظ على فعالية الإجراءات والآليات المتبعة من قبلهم وضمان كفاءتها، مضيفًا " كما أنها ستؤدي إلى مزيد من الإفصاح والشفافية والحماية لحقوق العملاء والممولين، ومعالجة أي جوانب ضعف قائمة".
ولفت آل الشيخ إلى أن المبادئ من ناحية أخرى تُسهِم في تحقيق عدد من الأهداف الوطنية التي شملتها رؤية المملكة 2030، ومنها دعم تملك المساكن حيث استثنت المؤسسة من هذه المبادئ احتساب الدعم الحكومي الموثق تعاقديًا والمقدم من وزارة الإسكان أو صندوق التنمية العقارية ضمن إجمالي الدخل الشهري، وذلك لمنتجات التمويل العقاري، مما سيسهم في تشجيع الأسر على التخطيط المالي والإدخار بما يتناسب مع الإمكانيات المتاحة لها.
وكانت مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" قد أصدرت مبادئ التمويل المسؤول للأفراد في شهر مايو / أيارالماضي، والذي دخل حيز التنفيذ منتصف شهر أغسطس / آب الماضي، وجرى تعميمه على جميع المصارف وشركات التمويل العاملة في المملكة، الذي يأتي ضمن أهداف المؤسسة في المحافظة على سلامة قطاع التمويل وعدالة التعاملات وحماية العملاء.
وأوضح آل الشيخ لـ"الشرق الأوسط" أن "هذه المبادئ تأتي لتعزيز مسؤولية الممول المرخص بإتباع أسلوب علمي، وإجراءات واضحة وشفافة ومكتوبة لتقييم الجدارة الائتمانية للعميل ومدى قدرته على السداد، وتمكين العميل من بناء تصوُّر شامل عن وضعه المالي والائتماني قبل وبعد الحصول على المنتج التمويلي، ليساعده في اتخاذ قرار مستنير بالحصول على المنتج أو عدمه ، بالإضافة إلى تحديد نسب التحمل، حيث يخضع الحد الأعلى للالتزامات الائتمانية الشهرية لعدد من الضوابط، بحيث لا تتجاوز نسبة محددة من الدخل الشهري للعميل وتختلف حسب نوع التمويل وفئات الدخل.
و يتوجب على الممول قبل منح التمويل "ذي كلفة الأجل المتغيرة" إضافة هامش ربح افتراضي على تكلفة التمويل بغرض تمكين العملاء من الالتزام بالسداد في حال ارتفاع المعدل المرجعي، كما تضمنت أيضًا عددًا من التعليمات ذات العلاقة بالإفصاح والشفافية، وذلك بتوضيح شروط وأحكام عقود التمويل وتوفير مستشار ائتماني مؤهل ليوضح ويجيب على كل استفسارات العميل ، وأشار أن المؤسسة وانطلاقًا من دورها الرقابي والإشرافي، تقوم وبشكل دوري ومستمر بمراجعة تعليماتها وضوابطها، وتعمل على تحديثها وفقًا لأفضل الممارسات الدولية، بهدف حماية استقرار ومتانة القطاع المصرفي والمالي وحماية حقوق مستفيدي التمويل وجهات التمويل وتحديد الحقوق والواجبات، بالإضافة إلى تعزيز الشمولية المالية والمنافسة والشفافية والحد من الممارسات غير المسؤولة للاستمرار في المحافظة على قطاع مالي يدعم النمو الاقتصادي المستدام.
و استبعد المدير العام للرقابة على البنوك في "ساما" أن تكون مثل هذه الإجراءات سببًا في تلك التحديات بشأن زيادة متطلبات الحصول على التمويل، مثل الإفصاح المالي، الذي قد يتسبب في كثرة الحمائية وتباطؤ العمليات وزيادة البيروقراطية، وقال "متطلب الإفصاح المالي موجود في السابق كمبدأ لمنح التمويل، ولكنه لم يكن فعالًا بشكل كامل ، وأثناء إعداد هذه المبادئ تمت مراعاة ضمان العدالة والتنافسية بين الممولين وبما يحافظ على فاعلية الإجراءات والآليات المتبعة من قبلهم وضمان كفاءتها ، كما أن المجال متاح إلى الممولين للاستفادة من التطور التقني والإحصائيات المتاحة عن دخل ومصاريف الأسرة لوضع الآليات والنماذج المناسبة لكفاءة وفعالية إجراءات منح التمويل وبما لا يخل بالالتزام بهذه المبادئ" ، و بشأن إمكانية الالتفاف بما يتعلق بالإفصاح المالي، قال آل الشيخ "المبادئ وجدت لتحقيق أهداف معينة وواضحة، تم ذكرها سابقًا والالتفاف عليها سيخل بتحقيق هذه الأهداف وأبرزها مسؤولية الممول بالتحقق من قدرة العميل على السداد، ومصلحة العميل باتخاذ قراره بناءً على تصور شامل وواضح لقدرته على الوفاء بالتزاماته الناتجة عن التمويل ".
وتابع "لو نظرنا إلى المادتين 11 و12 من المبادئ، سيتضح لنا أنهما تعنيان بهذا الموضوع، حيث ألزمت المبادئ الممول باستخدام نماذج وأدوات مالية لقياس إمكانية تحمل الالتزامات الشهرية ومدى ملاءمة التمويل لاحتياجات وظروف العميل، أخذاً في الاعتبار فئات الدخل وعدد المعالين".
وأوضح "أنه على سبيل المثال، الدخل المتاح لأسرة من زوج وزوجته يختلف عنه لدى أسرة مكونة من زوجين وثلاثة أطفال، كما أن هذه الأمثلة من العائلات تختلف مصاريفها في حال ما إذا كانت بإحدى المدن الرئيسيّة أو المدن الأقل تكلفة معيشيًا مثل المدن الصغيرة والقرى، وعلى الممولين أخذ ذلك بعين الاعتبار سواء بالنماذج المستخدمة لديهم أو من خلال إفصاحات العميل".
وتشير المادتان إلى إمكانية تحمل الالتزامات الائتمانية الشهرية وملاءمة التمويل لاحتياجات العميل، وضمان الموازنة بين الكفاءة والفعالية في الأدوات المالية المستخدمة لقياس إمكانية التحمل ، وعن المخاوف من توجه الأفراد إلى جهات تمويل الظل والتي تمنح قروضًا مقابل عمولات كبيرة، أكد المدير العام للرقابة على البنوك في "ساما" أن المؤسسة أخذت هذا الموضوع بعين الاعتبار عند إعداد المبادئ، حيث وضعت الحدود الائتمانية وفق فئات الدخل وأنواع المنتجات.
وقال "يظهر لنا أن الفئة ذات الدخل المرتفع "أكثر من 25 ألف ريال (6666 دولاراً) شهرياً " لا يوجد حدود ائتمانية لحصولها على التمويلات غير المرتبطة بضمان الراتب ، أما بالنسبة للفئات متوسطة الدخل وما دون، فنرى أن توجهها للممولين المخالفين محدود في ظل تضمن المبادئ ما يمكّن من احتساب الدخل من مصادر أخرى غير الراتب، وذلك ما سيضم فئات جديدة مثل العاملين على حسابهم الخاص أو العاملين بنظام الساعات الجزئية أو مكافأة المبيعات وغيرها، كما يوجد شركات تمويل مرخصة من المؤسسة لديها الرغبة والقدرة على تمويل هذه الفئات التي لا تغطيها المصارف".
و شدّد آل الشيخ على أن المؤسسة مستمرة في القيام بكثير من الإجراءات لمعالجة هذه الظاهرة بالتنسيق مع عدد من الجهات الحكومية الأخرى كوزارة الأعلام، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة الاتصالات، والجهات الأمنية عن طريق منع نشر إعلانات هؤلاء المخالفين في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ، وإزالة إعلاناتهم من الأماكن العامة ومنع نشر إعلاناتهم في المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والرسائل النصية الدعائية، وحجب الحسابات والمواقع والأرقام المخالفة.
وأضاف "قامت المؤسسة بعمل حملات توعوية بواسطة إدارة حماية العملاء بالمؤسسة ولجنة التوعية المصرفية لتوعية العملاء بخطورة التعامل مع هؤلاء غير المرخصين، وفي المقابل لدى المؤسسة مبادرات لتطوير ثقافة الاستهلاك والادخار لدى الأفراد، وتعنى بالتوعية بأهمية الادخار والتخطيط المالي وآثاره الإيجابية على الفرد والأسرة، وأيضاً التوعية والتحذير من التعامل مع الجهات المخالفة" ، وبشأن التحديات التي قد تواجه تطبيق هذا النظام وماهية العوامل التي تساعد على نجاحه، قال آل الشيخ إن "أي تغيير من الطبيعي أن يواجه عددًا من التحديات، منها ما يتعلق بالأمور التقنية والفنية لدى الجهات التمويلية، ومنها ما يتعلق بطبيعة البشر التي تحتاج إلى وقت للتأقلم مع التغيير والتفاعل معه، فيحتاج العملاء مزيدًا من الوقت لمعرفة الآثار الإيجابية للمبادئ وأثرها على السلوك المالي والائتماني، بما يمكنهم من تلبية احتياجاتهم الفعلية، مثل الحصول على المساكن والأصول بدلاً من الأغراض الاستهلاكية ، وفي المقابل يقع على عاتق الجميع من أفراد أو مؤسسات متخصصة العمل على التوعية ونشر ثقافة التخطيط المالي والادخار".
أرسل تعليقك