تمثل استقلالية البنوك المركزية جوهر قضية تحركات العملة، والتي زاد الحديث عنها الفترة الأخيرة، وحذر خبراء من بلوغها "حرب عملات"، حال فقد البنك المركزي في دولة ما من صلاحيته للسياسة المالية، أو صار أداة للمسؤولين.
وزادت التشابكات، في الفترة الأخيرة، بين بعض البنوك المركزية ورؤساء دولهم، وما زالت مستمرة، بيد أن السياسة النقدية عادة ما تضع نفسها كحارس للعملة، في حين يطالب المسؤولون السياسيون بتحريك الفائدة على العملة تباعًا لسياساته الوقتية.
وتخلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رئيس أكبر اقتصاد في العالم، في يوليو/ تموز الماضي، عن لياقته تجاه استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي "البنك المركزي"، وقال علنًا، «لست سعيدًا بسياسة البنك المركزي".
ودافع ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، الجمعة الماضية، عن استقلال البنك بعد ساعات من اتهام السياسيين الشعبويين في إيطاليا له بالمسؤولية عن زيادة التوترات في أسواق المال، والتي تهدد سلامة البنوك الإيطالية.
بيد أن تغيير السياسات الكلية ربما يؤتي برجال تخدم تلك السياسات، وهو ما يتعارض مع استقرار العملات، الأمر الذي ينعكس على حركة التجارة العالمية ومن ثم معدل النمو العالمي المتوقع.
شكوى المركزي الهندي
أعرب مسؤول كبير في بنك الاحتياطي الهندي، السبت،عن قلقه البالغ إزاء محاولات الحكومة التعدي على ما يتمتع به البنك من استقلالية، في إطار سعيها للحصول على مزيد من الصلاحيات للرقابة على البنوك العامة، بهدف تنقية وتعزيز النظام المصرفي في البلاد.
وقال نائب محافظ البنك المركزي الهندي، فيرال أشاريا، مسؤول السياسة النقدية، في كلمة له في مدينة مومباي، الجمعة، إن البنك يتمتع بصلاحيات محدودة لضمان انضباط البنوك الحكومية التي يوجد بها مخالفات، فهو لا يملك صلاحية تعيين موظفي أي بنك أو سحب التراخيص أو الدفع باتجاه دمج البنوك مع بعضها البعض، بحسب ما أوردته وكالة أنباء «بلومبرغ» الأميركية، السبت.
وأضاف أن الحكومة تُقوِّض استقلالية البنك المركزي عبر مساعيها لتحصيل نصيب أكبر من الفوائض، في الوقت الذي يسعى فيه البنك إلى تعزيز حسابه الختامي.
وأكّد نائب المحافظ أن استقلالية البنك المركزي، تضمن عدم إخفاء خسائر البنوك جراء المساس بمعايير الإشراف والرقابة، موضحًا أن هذا سيمثل إصلاحًا حقيقيًا شاملًا لصالح مستقبل الاقتصاد الهندي.
ووضعت السياسات العامة لبعض الدول بالكاد، محافظي البنوك المركزية في موقف المدافع عن استقلاليته، والدفاع عن قرارات السياسة النقدية إذا كانت انكماشية "رفع الفائدة" أو توسعية "تخفيض الفائدة".
شكوى المركزي الأوروبي
وقال رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، قال في كلمة له في بروكسل، الجمعة، "المصداقية معلقة على الاستقلال، لا يجب أن يخضع البنك المركزي لأي سيطرة مالية أو سياسية، ويجب أن يكون حرًا في اختيار الأدوات التي يراها الأكثر مناسبة لتنفيذ مهمته، لذلك يجب على المشرعين حماية استقلال البنوك المركزية".
ودخل دراغي، الإيطالي الجنسية، في نزاع علني مع حكومة بلاده بعد أن أشار إلى المخاطر الناجمة عن ارتفاع العائد على سندات الخزانة الإيطالية على خلفية الخلاف بين روما والمفوضية الأوروبية، بشأن العجز في موازنة إيطاليا للعام المقبل.
واستغل رئيس البنك المركزي الأوروبي، المؤتمر الصحافي الدوري له بعد اجتماع مجلس محافظي البنك، الخميس، لدعوة الحكومة الإيطالية من أجل تخفيض نبرتها الشعبوية، وضرورة تبني سياسات تكبح جماح تكاليف الاقتراض.
ورد نائب رئيس وزراء إيطاليا، لويجي دي مايو، على تصريحات دراغي، الجمعة، باتهام الأخير بتسميم المناخ، وقال ألبيرتو باجناي، رئيس لجنة الشؤون المالية في مجلس الشيوخ الإيطالين إن تحذيرات رئيس البنك المركزي الأوروبي "هراء".
وبين استقلال البنوك المركزية واتهامها باستمرار بتدمير الاقتصاد بسياساتها، على غرار ما صرح به الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في يوليو/تموز الماضي، قدم وزير الخزانة الأميركي ستيف منوتشين، تأكيدات بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي.
ووصف منوتشين في حديث لقناة «فوكس نيوز» الأميركية، خلال شهر يوليو/تموز، أداء الاقتصاد الأميركي بأنه على سكة النمو السريع والمستدام، بعد تحقيق نمو بلغت نسبته 4,1 في المائة في الفصل الثاني، لكنه أيضًا كان مجبرًا على تبديد مخاوف أثارتها تصريحات للرئيس دونالد ترمب مؤخرًا،بشأن خطوات لمجلس الاحتياطي الفيدرالي لرفع سعر الفائدة.
وقال منوتشين، "نحن كإدارة ندعم بشكل مطلق استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، والرئيس أعرب عن ذلك بوضوح"، مضيفًا، "دعوني أكون واضحًا، أنه يحترم بالكامل استقلالية الاحتياطي الفيدرالي".
ترامب ينتقد مجلس الاحتياطي الاتحادي
ويتبع الرؤساء الأميركيون في العادة عرفًا بالإحجام عن تناول عمل البنك المركزي الأميركي في تصريحات علنية، لكن ترامب خرج عن تلك الأعراف، وقال خلال مقابلة مع قناة "سي إن بي سي"، في 20 يوليو/تموز، "لا يروق لي أننا نبذل كل هذا العمل في الاقتصاد، ثم أرى أسعار الفائدة ترتفع".
ورفع الفائدة يكبح الاستثمار المباشر، أو يقلل من نسبته، حسب أسعار الفائدة والعملة نفسها، وهو ما انعكس على حجم تداولات الدولار الفترة الأخيرة، فقد زادت التعاملات على العملة الأميركية بعد رفع الفائدة مرتين وسط توقعات برفعها مرتين أخريين.
ويُعاني البنك المركزي التركي، من تدخلات مباشرة بسبب سياسته النقدية، فقد وجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، انتقادات مباشرة سابقًا لسياساته، وقرر البنك المركزي التركي، الخميس، الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي، وأعلن في بيان، بعد اجتماع للجنة السياسة النقدية، أنه قرر الإبقاء على سعر إعادة الشراء "ريبو" لأجل أسبوع عند 24 في المائة، وبعد الإعلان، فقدت الليرة التركية 1 في المائة من قيمتها في مقابل الدولار واليورو، وترفع البنوك المركزية عادة أسعار الفائدة للمساعدة في كبح ارتفاع معدل التضخم "أسعار المستهلكين".
لكن يبدو أن الأموال الرخيصة الناتجة عن الأزمة المالية عام 2008، التي أجبرت البنوك المركزية على فائدة صفر، في محالة لإنعاش الاقتصاديات، بعد ركود اقتصادي، ما زالت تلقي بظلالها على أسعار الفائدة الحالية ومعدلات التضخم، وسط توقعات بأزمة أخرى بدأت تلوح في الأفق بأزمة عملات الأسواق الناشئة.
أرسل تعليقك