أعلنت شركة "سنترال دانون" للحليب ومشتقاته أمس عن توقع خسارة بقيمة 150 مليون درهم "نحو 16 مليون دولار" في أداء النصف الأول من السنة، بسبب تداعيات حملة مقاطعة منتجاتها التي تتواصل في المغرب للشهر الثالث على التوالي، وكانت الشركة حققت أرباحًا صافية بلغت 56 مليون درهم خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.
وأكدت الشركة التي تتخذ من الدار البيضاء مقرًا وتملك نحو 80 ألف نقطة تسويق في المغرب، أنها تتوقع تراجعًا في إيراداتها بواقع 50 في المائة، وانخفاض 20 في المائة من حجم المعاملات خلال العام الجاري، ارتباطًا بتراجع مبيعاتها التي تقلصت نحو 30 في المئة، بسبب المقاطعة التجارية التي تشمل أيضًا شركات عاملة في قطاع المياه المعدنية ووقود السيارات.
وكانت الشركة الفرنسية أقدمت الأسبوع الماضي على تسريح 886 من العاملين في مصانعها، وقلصت مشترياتها من الحليب الطازج من نحو 120 ألف من المنتجين، في مسعى كما أعلنت الشركة "للتخفيف من انعكاسات حملة المقاطعة التي شملت كل منتجاتها"، ردًا على ما سماه المقاطعون على المواقع الاجتماعية "حالة الغلاء التي تشهدها الأسعار في المغرب مقارنة بدول غنية قريبة مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا"، واعتبر المقاطعون "أن قرار الشركة طرد العمال تعسفي وغير اجتماعي وغير أخلاقي، لأنه تزامن مع شهر رمضان المبارك".
وتقوم الشركة بحملة دعائية وحملة علاقات عامة "تصالحية" لحض الزبائن على شراء منتجاتها بعد قرارها خفض أسعار بعض السلع خلال رمضان نزولًا عند رغبة المقاطعين.
وطلب وزراء في الحكومة التي يقودها سعد الدين العثماني "التوقف عن مقاطعة منتجات الشركة الفرنسية خوفًا من تأثيرات محتملة على حجم الاستثمار الأجنبي في المغرب"، وقال وزير الشؤون العامة لحسن الداودي "إن استمرار المقاطعة يهدد الاستثمار الأجنبي ويضر بمصالح الاقتصاد المغربي".
وتعرض الوزير المنتمي إلى "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي الذي يقود الحكومة، إلى ردود فعل قوية على مواقع التواصل الاجتماعي اتهمته بالدفاع عن المصالح الأجنبية على حساب المصالح الوطنية، وتغليب جنسيته الفرنسية على جنسيته المغربية، وأنه "لم يدافع عن شركتي أفريقيا للمحروقات ومياه سيد علي، على رغم أنهما مشمولان بالمقاطعة". ما يعني برأيهم "انتقائية غير مفهومة ومواقف ملتبسة من حزب إسلامي".
ودخل رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران على خط الدفاع عن شركة "دانون" من دون غيرها من الشركات المعنية بالمقاطعة التجارية. وقال في تصريحات إلى مواقع إعلامية إنه "يتفهم الخلفيات السياسية وراء مقاطعة منتجات شركات أفريقيا وسيدي علي". لكنه "يدعو إلى التوقف عن مقاطعة الشركة الفرنسية سنترال دانون حفاظًا على مصالح المزارعين وتأثيرها على الاقتصاد المغربي".
واستغرب نواب من "حزب العدالة والتنمية" وقوف وزرائهم في صف الشركة الفرنسية ضد إرادة المقاطعين.
ورأت أطراف سياسية واقتصادية أن حملة المقاطعة التجارية كان أطلقها في البداية محسوبون على التيار الإسلامي للتأثير في حظوظ وزير الزراعة والصيد البحري عزيز أخنوش لقيادة الحكومة المقبلة في المغرب، من خلال التعرض لشركة "أفريقيا للمحروقات" التي يعتبر أكبر المساهمين فيها.
واعتبر مراقبون "إن رئيس التجمع الوطني للأحرار" قد يخرج قويًا من النزال بعدما نقل المقاطعون انتقاداتهم إلى وزراء العادلة والتنمية الذين حملوهم مسؤولية رفع الأسعار وتحرير السوق".
وتسبب الكشف عن تفاصيل تقرير برلماني عن انعكاسات تحرير قطاع المحروقات في المغرب، عن تورط الحكومة السابقة برئاسة عبد الإله بن كيران "في تفاقم أزمة الأسعار عندما حررت سوق المحروقات قبل ثلاث سنوات، من دون اتخاذ احتياطات اجتماعية موازية في حال عودة الأسعار إلى الارتفاع، كما يحدث حاليًا".
وتتعرض الحكومة إلى حملة عنيفة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال محللون إن "حزب العدالة والتنمية" يجد نفسه في "وضع صعب بعدما انقسم مناصروه بين مؤيد ومعارض لمواقفه غير المفهومة من المقاطعة" إذ يدافع بقوة عن مصالح شركة أجنبية تُسرح العمال، ويحرض في المقابل ضد الإبقاء على مقاطعة شركات وطنية يعمل فيها مغاربة"، في تناقض صارخ مع مواقفه قبل الانتخابات ودفاعه المفترض عن الفقراء والطبقات الوسطى، التي أصبحت أكثر انتقادًا لأداء الحكومة وتطالب بإسقاطها.
وواصلت أسعار المحروقات من جهة أخرى، ارتفاعها في محطات التوزيع تماشيًا مع تحرير السوق وزيادة أسعار النفط في السوق الدولية، وتجاوزت 10 دراهم للمازوت و11 درهمًا للبنزين للمرة الأولى، وهي الأغلى بين الدول العربية
أرسل تعليقك