رسام مغربي يبحث عن الحقيقة في سراديب اللوحة
آخر تحديث GMT09:18:26
 تونس اليوم -

الريشة وخز سريالي في قتامة الواقع

رسام مغربي يبحث عن الحقيقة في سراديب اللوحة

 تونس اليوم -

 تونس اليوم - رسام مغربي يبحث عن الحقيقة في سراديب اللوحة

الفنان التشكيلي عبد الرحمان الحناوي

الدار البيضاء - سعيد بونوار "لاشيء يصيرنا عظماء مثل الألم العظيم"، هكذا تصدح ريشة قاسم أمين على لوحة الواقع، إنه الواقع المرير الذي أبكى الفيلسوف "جفرسون" وهو يصل إلى حقيقة تنهيدة انطلقت مع زفرات ليل بهيم، قال:"ما أشق الألم الذي تكلفنا إياه الشرور التي لم تقع". بين العظمة والألم مساحة بياض تنتظر ريشة الحقيقة التي قال عنها غوته إن "الحقيقة المؤذية أفضل من الخطأ النافع، لأن الحقيقة تشفي الألم الذي سببته"، الإيذاء المتراكم للجسد البريء لا يمكن إلا أن يولد العظمة، مع كل سوط وصراخ وتعذيب تتوحد ذرات الإبداع لترسم لنا حقيقة ما نرى ونسمع، ما يختلج في صدورنا الظمأى إلى كوة الضوء التي تبدد كل هذه القتامة التي نعيشها، ما أضيق العيش لولا شطحات الريشة، هي لذة علاقة الحب بين الذات واللون، ألم يقل جبران خليل جبران "إن آلامك لا تقل روعة عن أفراحك".
بعيون فيها براءة من دم الغدر، وعلى قميص اللوحة الأبيض رسم الفنان التشكيلي عبد الرحمان الحناوي حكاية ألم مفتوح على المعاناة، شاب يرسم ليبكي على أعتاب اللوحة، إنه يحاورها يتوسل إليها عسى أن تعود إليه، أملا في أن تكون هي هو، وتكون الألوان إكليلا يضعه على قبرها، أي دمع في المآقي يأبى أن ينساب؟ أي ذاكرة تتمرغ في وحل العذاب لتتجرد من ثياب الشجن وترسم السعادة مساحات الضوء على محيا شاب عشق الرسم بالشكل الذي عشق فيه الحياة بين مخالب الحزن الكبير..
ما معنى أن يرحل والدك وأنت لم تره، ما معنى أن تسمع عن بطولاته وأمجاده وأنت لم تصعد يوما إلى "بوضيوم" التتويج لتقبله؟ ما معنى ألا تشبع من والدتك، وتلعب كأقرانك بين والديك..ما معنى أن تكون بإحساس مرهف تتألم لمجرد أن حقا خُبس، ما معنى أن ترمق بعيون الحزين نجاحات من هم أقل منك موهبة وتبقى أنت وحيدا في خط الانطلاقة..الجميل في التاريخ أنه لا ينسى الحقيقة، والأسوأ فيه أنه لا يعترف بالعطاء في حينه.
اسمه عبد الرحمان الحناوي هو سيزيف التشكيل المغربي، ريشته تسبق أتراحه وأفراحه، في كل لوحة بصيص ألم وأمل، حقيقة تجسدها لوحته العملاقة "تازمامارت" التي جسد فيها سنوات ظلم وغبن وضيق وأشجان، إنها لوحة ترقى فوق الحدث السياسي لتحضن ألوانها القاتمة وتعابيرها أجسادها معاني المعاناة، في لوحة "تازمامات" يجد كل مشاهد نفسه، قد تكون أنت المعتقل في سرداب الحياة، قد تكون أنت المظلوم الذي أدمت لدغات الجلد جسده، قد تكون أنت المبدع الذي لم تصل إلى مبتغاك، قد تكون أنت العاشق الذي لم تمكنه ظروف الحياة من حضن عشيقته، قد تكون أنت المتهم بجريمة ارتكبها غيرك، قد تكون أنت الناجح الذي أفشلوه في اختبار الكرامة.. أجساد لوحة "تازمامارت" هي أنت وأنا وأنتم وأنتن، إنها صورة بالريشة عن معاناة جيل.
يفسر الحناوي سرياليته بتعذر النظر إلى المحيط بمنظار وردي..آلام وحروب ونزاعات تصفد هذا العالم، وذاكرة تختزن مشاهد حزينة ومنها رحيل الوالد حسن الحناوي الملقب بـ"سليتو" (البطل المغربي في الدراجات أوائل الستينات وتوفي عام 1965) وهو لم يكمل شهره السابع، سفر والدته إلى فرنسا واضطراره إلى العيش في كنف جديه..طرده من العمل بعد 15 سنة من الجد والعمل المتفاني.
لم يعد الشاب الذي بدأ الرسم في سن مبكرة وفاز بجوائز عالمية عديدة، وشارك في معارض دولية بكل من فرنسا وإيطاليا يرسم لينتشي بالحياة، أجبرته الظروف كي يرسم من أجل أن يعيش.
في لوحات الحناوي المعروضة حاليا في "كاتدرائية" الدار البيضاء براءة واحترافية كبيرة وقدرة على التعبير بالألوان، وهي وإن كانت تميل إلى القتامة إلا أنها تصنع الأمل بين ثناياها، إنها طبيعة الإنسان في أن يعيش على إيقاع الأمل.
في لوحات الحناوي متعة غير مكتملة، إنها مشاهد سريالية لا تحكمها حدود الإطار، إنها تحلق في سماء مفتوحة على القراءات المتعددة التي لا بد أن يجد فيها المرء نفسه.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسام مغربي يبحث عن الحقيقة في سراديب اللوحة رسام مغربي يبحث عن الحقيقة في سراديب اللوحة



GMT 09:37 2021 الثلاثاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

إعطاء إشارة انطلاق مشروع تهيئة متحف قرطاج ومحيطه المباشر

GMT 17:37 2021 الأربعاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الشؤون الدينية التونسي يعلن عن أكثر من 195 ألف مترشّح للحج

GMT 17:12 2021 الأربعاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تواصل أشغال ترميم مكتبة العطارين في المدينة العتيقة التونسية

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:53 2014 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

"Facebook messenger" سيكون متاحًا لويندوز فون بعد أسابيع

GMT 11:08 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

وقف الهدر والتبذير..شعار الكويت الجديد

GMT 16:21 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

اجتماع تقني يجمع مسؤولي منتخبَي مالي وتونس

GMT 11:21 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 14:25 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم الرعب "Jigsaw" يحقق 32 ميلون دولار في أسبوع عرضه الأول

GMT 09:26 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

سوسيج تري كامب السحر الحقيقي للحياة البرية

GMT 20:34 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

"HER" BURBERRY عطر المرأة الجريئة الباحثة عن التميز

GMT 12:54 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

أبسط وأسهل طريقة لاختيار الحجاب الملون بأناقة

GMT 13:37 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

كأس ألمانيا: دورتموند وشتوتغارت وبوخوم إلى ربع النهائي

GMT 03:00 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة "الإرهاب" كلفت تونس 4 مليارات دينار
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia