أكد راشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب في تونس أن دعوة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، لاجراء انتخابات مجلس الشورى في اكتوبر من العام الحالى تعد دعوة جريئة أثلجت صدر محبي الحرية. وقال الغنوشي في تصريحات لوسائل إعلامية قطرية، ان العلاقات بين البلدين نموذجية واستراتيجية تحترم الادارة الحرة لشعبيهما وتجسد واقعيا تبادل المصالح وتخدم عمليا ما ينفع الناس. ولفت الى أن عمق الروابط والعلاقات التي تجمع بين قطر وتونس توجتها الزيارات والاتفاقيات المتبادلة بين قيادتي البلدين، مشيرا الى أن
مكتب نواب الشعب وافق في الفترة الماضية على تركيبة مجموعة الصداقة التونسية القطرية. كما ان العلاقات بين البلدين شهدت زخما كبيرا من خلال دعم الحكومة القطرية لتونس بنحو مليار دولار في شكل ودائع وهِبات كما ان الصندوق القطري يسعى لتوفير 100 ألف فرصة عمل في تونس بالاضافة للجهود التي تبذلها مؤسسة " صلك ". كما تعد قطر المستثمر الأول في تونس. واعتبر رئيس مجلس نواب الشعب التونسي ان الحركات الاسلامية المعاصرة تعد جزءا اصيلا من التاريخ الانساني، مشيرا الى أن الربيع العربي أخرجها من كهوف السرية، مؤكدا ان تجذير ثقافة الاختلاف وسلطة القانون يدفعان نحو أجيال من الحركات المعاصرة والمنفتحة، وان نزوعات الاقصاء هي التي تعرقل الوصول الى مصالحات حقيقية. وحول ترشحه لرئاسة حزب حركة النهضة اوضح الغنوشي ان احترام النظام الداخلى للحزب ليس منة، وانه لا قانون ولا ديمقراطية اذا لم يحترم الحزب نظامه الداخلى وقوانين البلاد وسنن الحياة كذلك في التغيير والتجديد. وان دور راشد الغنوشي هو الاسهام في دعم تجربة تونس وانتقالها الديمقراطي.
تشهد العلاقات القطرية التونسية تطورا ملحوظا مدعومة بعدد من الاتفاقيات وفرص التعاون بين البلدين، وعن ذلك علق بقوله: العلاقات التونسية القطرية علاقات أخوية عميقة واستراتيجية نموذجية على صعيد العلاقات العربية العربية. تحترم الادارة الحرة لشعبيهما وتجسد واقعيا تبادل المصالح وتخدم عمليا ما ينفع الناس وتغيير أحوالهم نحو الأفضل. لذلك لم يكن غريبا أن دولة قطر الشقيقة بتوجيه من سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، كانت من أولى الدول التي وقفت مع تونس خلال الموجة الأولى من تفشي وباء كوفيد 19"عفانا وعافاكم الله" بهِبة مقدرة من المساعدات الطبية المهمة ومستشفى ميداني متنقل خدم أهلنا في الجنوب في هذه الأوقات العصيبة ودعم ب 10ملايين دولار من المؤسسات الاقتصادية القطرية العاملة في تونس لصندوق التبرعات الصحية 1818. وهذا ليس غريبا على أشقائنا حيث وقفت قطر مع تونس منذ قيام ثورتها السلمية ومن خلال الحكومات المتعاقبة مهما كان لونها وكان حصيلة هذا أكثر من 1 مليار دولار بين هِبات وودائع وأضحت قطر المستثمر الأول عربيا والثاني دوليا بنسبة 16 % من حجم اجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس في قطاعات مختلفة من اهمها الاتصالات والبنوك والمصارف والزراعة والسياحة... كما مثل صندوق الصداقة التونسي القطري نموذجا رائعا في دعم الشباب وريادة الأعمال بموازنة قاربت 100مليون دولار هدفت لتوفير100الف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، ونحن على ثقة بأن صندوق قطر للتنمية سيكون قاطرة لدعم التعاون البيني وتعزيز الفرص الاستثمارية وفتح آفاق الاستثمارات أمام رجال الأعمال في البلدين في تطلعهم لدعم تواجدهم في تونس وأفريقيا أرض الفرص القادمة باذن الله تعالى.
كما تمثل مؤسسة "صلتك" في تونس بدعم من صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، مرجعا مهما ومفيدا للشباب الباحث عن العمل وفي تنوع آليات ووسائط الاحاطة بهم في عالم الشغل في مراحله الأولية والمتقدمة نرجو أن يعزز حضورها وثقلها في سوق العمل التونسي في قادم الأيام باذن الله تعالى... كما تحظى الجالية التونسية بدولة قطر الشقيقة بجميل الرعاية من الحكومة برئاسة معالي الشيخ خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية حيث أصبح عددها حاليا 35.000 بعد أن كانت 4.000عام 2010 وينتظر أن يصبح عدد التونسيين في دولة قطر الشقيقة قرابة 50.000 في الفترة القادمة بإذن الله تعالى.
وبشأن المجالات التي تشملها اتفاقيات التعاون والتي سيتم التركيز عليها في المستقبل ودور الجهات التشريعية في دعمها، فصّل بقوله: شهدت العلاقات التونسية القطرية هذا العام زيارتين هامتين ومثمرتين لقيادتي البلدين حيث كان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من أول الزائرين لتونس بعد انتخابات 2019 ثم كان للرئيس قيس سعيد زيارة مثمرة وناجحة الى الدوحة خلال الفترة الأخيرة، وينتظر أن تنعقد في شهر مارس المقبل الدورة الثامنة لاجتماعات اللجنة المشتركة التونسية القطرية، حيث يبلغ عدد الاتفاقيات بين البلدين قرابة 80اتفاقية في قطاعات مختلفة، وينتظر ان ترتكز أعمال هذه اللجنة المشتركة على تجسيد الخط البحري بين البلدين وازالة كافة العوائق لشراكة حقيقية في مجال النقل الجوي تخدم تونس وقطر وافريقيا، ودعم الشراكة في مجال اليد العاملة المختصة خاصة مع افتتاح مركز قطر للتأشيرات وهو المركز العربي الوحيد من اجمالي 8 مراكز للتأشيرات لدولة قطر حول العالم، وتنمية التبادل التجاري بين البلدين الذي لم يتجاوز بعد عتبة ال 170مليون دولار، ونحن نعتقد جازمين بان انفراج الوضع في ليبيا الشقيقة سيوفر فرصة مهمة جدا للشراكة الاقتصادية الثلاثية التونسية القطرية الليبية للاستثمار في السلم واعادة البناء في دولة ليبياالعزيزة على قلوبنا.
بوصفه رئيس مجلس نواب الشعب التونسي أكد اوجه التعاون القطري - التونسي في المجال البرلماني والتشريع بقوله:
منذ ايام قليلة وافق مكتب مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية على تركيبة مجموعة الأخوة البرلمانية التونسية القطرية برئاسة النائب ماهر المذيوب عضو مجلس نواب الشعب عن دائرة الدول العربية وبقية دول العالم، ومشاركة كافة الكتل النيابية المختلفة، ونعتقد أن مجموعة الأخوة البرلمانية التونسية القطرية سيكون لها الأثر الطيب في التعرف على التجارب التشريعية في البلدين وفرص التعاون بينهما، كما اننا على تواصل دائم ومثمر مع سعادة السيد أحمد بن عبد الله بن زيد آل محمود رئيس مجلس الشورى بدولة قطر الشقيقة في كل ما يتعلق بتعزيز الأسس التشريعية للعلاقات الثنائية ودعم التعاون والتفاهم كمجموعة عربية في المحافل الاقليمية والدولية البرلمانية خدمة للقضايا المشتركة.
تتجه دولة قطر الى تنظيم أول انتخابات لمجلس الشورى في أكتوبر المقبل، وهو ما اعتبره الغنوشي خطوة إيجابية بقوله: تميز خطاب سمو الأمير في افتتاح دورة مجلس الشورى الاخيرة لدولة قطر بالحكمة وبعد النظر، ولعل من أبرز ما اثلج صدور كل محبي الحرية تلك الدعوة الجريئة لأول انتخابات لمجلس الشورى في شهر اكتوبر من عام 2021، في اطار عزم دولة قطر الشقيقة على تعزيز منهج الشورى وضمان مشاركة أوسع للمواطنين القطريين في عملية صنع القرار. ونبارك للشعب القطري الشقيق هذه اللحظة التاريخية، ونحن على ثقة بان هذه الخطوة المهمة سيكون لها الأثر العميق في تعزيز اواصر التعاون بين المؤسستين التشريعيتين مجلس الشورى لدولة قطر الشقيقة ومجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية.
بشأن موقف البرلمان التونسي تجاه الجهود الكويتية لحل الأزمة الخليجية، أكد أن: في تونس قيادة وشعبا ندعم كل جهد عربي لحل الاشكاليات أو الاختلافات أو النزاعات التي يمكن أن تحدث بين الدول خاصة في منطقتنا العربية...ونحن في مجلس نواب الشعب نحيي الجهود الكبيرة والصادقة للقيادة الكويتية في رأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين الأخوة والأشقاء في منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ونعتقد أن هذه الجهود المباركة ستكلل بالنجاح والتوفيق في المستقبل المنظور بحكمة قادة هذه الدول وارادتها في خدمة لشعوبها ومستقبلها
واستكمل موضحًا: الحياة دورة... وهي كذلك مسيرة الانسان والانسانية والحضارات... لا شيء يدوم إلا وجه الله تعالى... الثورة فكرة ورؤية للتغيير وحلم في مستقبل افضل...ولقد مثلت الثورات العربية منذ عام 2011 منعرجا جديدا في التاريخ العربي الاسلامي والانسانية جمعاء. بدأ بزلزال هز عروش أعتى الطغاة.. ثم دخلت عليه عدة عوامل خارجية وداخلية وتجمعت ضدها ثورة مضادة مركبة ومعقدة وخطيرة اتخذت الوانا وطرقا شتى جميعها شريرة وبغيضة وضد الانسان... من الحروب الأهلية الى بث روح التناحر والتفرقة في جسم المجتمع الواحد واثارة النعرات القبلية والدينية والحروب النفسية والالكترونية والتجويع والتعطيل تعطيل كل مناحي الحياة... من أجل هدف وحيد العودة الى حكم الفرد والتسلط والجبروت وقمع الحريات والكفر بكل ما هو تعدد واختلاف وقيم التسامح واحترام الحريات الفردية تحت خيمة الدستور وضرب مقومات تأسيس حق المجتمعات العربية في ديمقراطية وعدالة اجتماعية وكرامة وطنية وموقع مشرف بين الأمم باطلاق طاقات العمل والابداع والاحتهاد...لقد رزحت الديكتاتوريات والانظمة الاستبدادية لعقود على صدور العرب والمسلمين، وبلج فجر جديد في بعض دولنا منذ عقد تقريبا كان حافلا بالأحداث والمتغيرات...هنالك ساحات حققت مكتسبات وتقاوم من أجل غد أفضل واستكمال انتقالها الديمقراطي وهنالك ساحات أخرى تاهت او بالأحرى "توههوها" في اتون حروب اهلية مقيتة ولكن في كل الحالات... حركة التاريخ تحركت الى المستقبل ولن تعود ابدا باذن الله تعالى الى الماضي البشع حتى ان تعطلت أو عطلت أو"خربت "فليبيا أو اليمن أو سوريا لن تعود مهما اوغلوا في جسد هذه المجتمعات العربية الحية المبدعة الا افضل وارقى وابهج وليلها اذن بالغروب وشمسها ستشرق قريبا بحول الله تعالى.
وعن الحركات الإسلامية، أفاد بقوله: اعتقد جازما بان الحركات مثل الدول والانسان... هي تاريخ ومسار وبدايات ومنعرجات... والحركات الاسلامية المعاصرة هي جزء اصيل من التاريخ الانساني وتنطبق عليها ما ينطبق على جميع الحركات السياسية والظواهر الاجتماعية من سنن كونية... ولعل من أبرز تلك السنن هوالتعلم والاستفادة من التجارب ثم التقدم الى الأمام عبر النقد الذاتي...لقد ولدت هذه الحركات الاسلامية من رحم صدمة الحداثة العاصفة وتفاعلت مع تاريخ مجتمعاتها الداخلية... أصابت وأخطأت...وتوقف البعض منها للتقييم والمراجعات...لم يكن الأمر سهلا ولا ميسرا خاصة في عهد الاستبداد والديكتاتورية،الا أن ثورات الربيع العربي فتحت افقا جديدا لهذه الحركات لتغادر كهوف السرية وضيق الجماعات المغلقة وان تختبر صلابة فكرها ونظرتها ورؤيتها على أرض الواقع وفي كنف مجتمع متحرك وضمن سياق تنافسي شديد بين الناس جميعا... كما كان لتجارب الحكم والمعارضة والسياقات المختلفة للثورات العربية والأجيال المتعاقبة والأساليب المتعددة والمركبة للثورة المضادة... دور فعال وايجابي ومثمر في اثراء فكر وتجربة ورؤية الحركات الاسلامية في الدول العربية والاسلامية، فأصبحت أكثر تجذرا في فهمها للنص وقربا من المقاصد العليا للاسلام العظيم وقبولا للاخر وانفتاحا على الاخرين...وأضحت اكثر انغراسا في بيئتها المحلية عبر الانصات للناس والقرب والعمل على حل مشاكلهم وتخففت كثيرا من شرور الانغلاق أو الانكماش على الذات في أريحية محمودة وتجديد ديني ومجتمعي مطلوب يوزان بين ما هو معلوم بالدين بالضرورة وانخراط واع ومسؤول في مجتمع رقمي مستقبلي.
وطرح راشد الغنوشي تصوره لحل الأزمات والاضطرابات في الدول العربية، قائلا: ان القلب لينفطر لرؤية جسد انسان مهما كان ممزقا... فما بالك لو كان هذا الانسان اخي العربي أو المسلم في اي بقعة من بقاع الأرض... نحن في حركة النهضة التونسية عانينا طويلا من القمع والعنف والاستبداد، ولذلك نرفض العنف مهما كان مصدره... ونعتقد جازمين بان ما حدث أو يحدث في بعض الدول العربية اثر الربيع العربي مع انحراف نحو العنف أو القتل أو الحروب الأهلية هو عمل شيطاني بغيض من تدبير قوى الثورة المضادة المسنودة من بعض الحمقى وتجار الدم في الداخل وقوى الشر في الخارج... وقلوبنا مع شعوبنا في هذه الدول وايماننا عميق في قدرتها على التجاوز والعودة للسلم الأهلي...عبر الحوار ولا شيء آخر غير الحوار والقبول بحق الاختلاف وقيم العيش المشترك والمصالحات الوطنية الشاملة بين جميع القوى المعتدلة والوسطية من اسلاميين وعلمانيين وقوميين ويساريين... فنحن مجتمع انساني وكل مجتمع انساني مجبول بالضرورة الطبيعية على العيش المشترك ضمن قواعد وقيم متفق عليها يضمنها الدستور وتنظمها القوانين وتحفظها المرجعيات الأخلاقية والقيمية للشعوب والحضارات... الحوار عوضا عن البندقية والكلمة عوضا عن السيف وورقة الانتخاب عوضا عن الرصاصة، والتوافق عوض المغالبة، تلك هي طريق الحق والعدل والحرية...والضمانة ضد التغول والتسلط والاستبداد والحروب الأهلية.
وردًا على استفسار حول مستقبل حركات الاسلام السياسي في ظل عدم القبول من العديد من الأطراف الداخلية والخارجية، بين الغنوشي أن: الآباء المؤسسون للحركات الاسلامية المعاصرة يؤكدون بانهم لم يتحدثوا يوما على انهم حركات الاسلام السياسي... بل ان اغلبهم ان لم نقل كلهم يرفضون تسمية بعض المفكرين أو المستشرقين الغربيين لهم... وهذا مفهوم، فلا أحد يحب بان يسميه الاخر بما يكره أو ليس فيه أولا يمثله. هذا المصطلح اصبح وعاء يحوي المتناقضات: من هو مع الديمقراطية ومن هو ضدها، من هو مع قبول فكرة التعايش مع الآخر ومن هو ضدها، من يؤمن بفكرة الدولة الحديثة ومن هوضدها، من يعتمد منهج السياسة السلمي ومن يعتمد منهج العنف والارهاب! لذا أصبح هذا المصطلح تهمة أكثر منه وصفا للحركات. وقد عرفنا أنفسنا على أننا حزب مسلم ديمقراطي لا يعتبر نفسه معنيا بوصف وتسمية الاسلام السياسي.
تابع الغنوشي: الحركات الاسلامية المعاصرة الوسطية هي حركات احيائية تجديدية، ولدت من رحم مجتمعاتها ولم تكن يوما هجينة أو خارج السياق...لا شك أن صدمة البدايات وثقل تحمل اقسى الديكتاتوريات ودفع أعتى الاثمان من أجل الحريات ثم اكراهات الحكم، أثرت كثيرا في طبيعة وهوية هذه الحركات، ودفعتها لاجراء العديد من المراجعات والتقييمات، الا أن ترسخ هوية مجتمعاتنا المعاصرة نحو مكان يليق بعظمة قيم الاسلام والميل لتجذير ثقافة الاختلاف والديمقراطية واحترام الآخرين وسلطة القانون، كلها تدفع نحو أجيال جديدة من هذه الحركات معاصرة ومنفتحة وفاعلة في مجتمعاتها في مختلف مفاصل الحياة ومتصالحة مع واقعها ومتعاونة مع شركائها في الوطن لأجل مصلحة شعوبها وأمتها.
ولبيان المطلوب لتجاوز التصدع الكبير بين مختلف القوى السياسية في تونس مما أثر على أداء البرلمان وألقى بظلاله على المجتمع ككل، قال: اعتقد ان ما يحدث في المجتمع من شحن واضطراب واحتجاجات في مجمله يعود للحق في العيش الكريم، ليس إلا، حيث ان المجتمع التونسي وبعد ان قام بثورته واسس قيم الجمهورية الثانية تحت خيمة دستور ديمقراطي وتعددي، وفي أجواء من الحرية المنشودة، ينتظر أن يتجسد على أرض الواقع الانتقال الاقتصادي والاجتماعي، من حكم العائلات المتنفذة الفاسدة والمرتبطة بالقصر سابقا الى مجتمع أكثر توازنا وعدلا بين جميع الافراد والطبقات والجهات، ان غياب نسب نمو جيدة والمديونية العالية الموروثة وانكباب النخب على حل المشكلات السياسية، اوجد مناخا اجتماعيا محتقنا، كما أن تجربة التعددية السياسية الحقيقية في تونس التي لم تتجاوز العقد من الزمن مع غياب قانون تقدمي للأحزاب السياسية، وقانون انتخابي يشتت الأصوات والأجسام السياسية، وفوق ذلك بعض التدخلات الخارجية من القوى المعادية للثورة ساهمت في تشظي المشهد السياسي والحزبي... ولكن هذا لم يمنع من أن أول برلمان تونسي منتخب انتخابا حرا ومباشرا يعمل على مدار الساعة تحت الاضواء والشفافية التامة تمكن منذ 2014الى الآن من عمل تحالفات داخله صمدت في الأغلب ودعمت حكومات وانتجت قوانين وتشريعات تعتز بها تونس.
وبشأن عرقلة جهود المصالحة، أكد الغنوشي أن: نزوعات الاقصاء هي التي تعرقل الوصول الى مصالحات حقيقية في كل منطقتنا تنقذها من الانقسام وتؤسس أساسا قويا لديمقراطية مستقرة ومزدهرة. عقلية الاقصاء لا ينفرد بها تيار واحد بل توجد في أغلب التيارات: وهو اعتقاد مغلوط وخطير بأن تيارا واحدا يمكنه السيطرة على مقاليد الأمور والتخلص من غيره من التيارات. هذه العقلية هي التي تمنع بلداننا من التقدم الى بناء انظمة ديمقراطية مستقرة. يجب أن نعالج هذه العقلية المنتشرة وعقلية المعادلة الصفرية بأن ربح غيري هو خسارة لي.
وتساءل: متى ستراجع جميع تيارات الأمة مواقفها ومتى تتعلم من درس هذه العشرية بأنه لا يمكن لأي تيار أن يقصي غيره وأن يحتكر مقاليد الأمور. المسؤولية تقع على عاتق نخب الأمة من جميع التيارات: كلما اختصروا الزمن للوصول لهذه القناعة وبالتالي القبول ببعضهم بعضا وقبول مبدأ الشراكة والتوافق والتعايش، كلما قللوا من تكاليف الانتقال الى الديمقراطية وعجلوا ببناء أنظمة سياسية مستقرة، للجميع فيها مكان. نحن حاولنا في تونس أن نسلك هذا المسلك وقد حققنا فيه بعض المنجزات وهذا ما صنع الاستثناء التونسي في الربيع العربي، ولكننا لم نستكمل الطريق بعد ولكننا عازمون على استكماله حتى نتمكن من بناء تونس للجميع. منذ الثمانينيات كنت أقول ان تونس لكل أبنائها، والآن مازلت أؤمن بذلك وأعتقد بأن سفينة تونس يجب أن تحمل كل أبنائها، لا أن يفكر بعضهم بالقاء بعض خارج السفينة. نحن على ثقة بأن شعبنا ونخبه لهم من الوعي ما سيقود قواه الحية الوسطية الى تفاهمات ومصالحات تاريخية بينهم. وأنا على يقين بأن هذا هو الطريق لبقية بلداننا العربية للخروج من آتون الفتن والانقسامات للتأسيس لمستقبل زاهر لشعوبنا.
وحول الدور الذي سيلعبه الغنوشي في المشهد السياسي التونسي مستقبلا اوضح: ان احترام النظام الداخلى للحزب ليس منة أو مزية، هذا عهد التزام أخلاقي لنا جميعا في حركة النهضة التونسية، فلا قانون ولا ديمقراطية اذا لم يحترم الحزب نظامه الداخلى وقوانين البلاد وسنن الحياة كذلك في التغيير والتجديد. وان دور راشد الغنوشي هو الاسهام في دعم تجربة تونس وانتقالها الديمقراطي ثم التقدم على درب تحقيق الانتقال الاقتصادي والاجتماعي من خلال تعزيز دائرة الأصدقاء المحبين لتونس... لا يهم كثيرا اين يكون موقعي، فاليوم تونس تحكم بالترشيح والانتخاب وانا على ذمة امتي وبلدي وشعبي ثم حزبي في اي موقع اكون فيه مفيدا ومنتجا وداعيا للوحدة الوطنية والمصالحة الوطنية الشاملة.
وقدم الغنوشي التحية والتقدير لجميع العرب والمسلمين المقيمين في جميع أنحاء العالم، قائلا "احيي فيهم حرصهم على هويتهم الثقافية واحترامهم العميق لقوانين البلدان التي يعيشون بين ظهرانيها، وتفانيهم في العمل والجهد والبذل والاندماج السلس والواعي في هذه المجتمعات، ان دعوة الكراهية وتنامي معاداة الأفكار والأديان وما يسمى بالاسلاموفوبيا يعبر بصدق عن قلق في هذه المجتمعات وليس طبيعة فطرية لأهلها، قلق منبته اجتماعي وتغلفه جماعات شعبوية متطرفة لتحقيق أهداف سياسية متشددة... ضيقة الأفق. ونحن اذ نحيي الدعوة القطرية التونسية للحوار بين الغرب والشرق من أجل عالم أكثر انفتاحا وعدلا وتسامحا، فانني أعتقد جازما بان ما عاشته الانسانية ولا تزال في اتونه من مواجهة تحديات كوفيد 19سوف يدفع نحو تقارب أكثر بين الحضارات والثقافات والأديان".
قد يهمك ايضا
مخلوف يوضح لو كان نبيل القروي في حلف التيار الديمقراطي لما دخل السجن
مخلوف يوضح مخبر تونسي صغير اخترع دواء لكورونا
أرسل تعليقك