في الطريق إليّ
آخر تحديث GMT09:18:26
 تونس اليوم -

في الطريق... إليّ

 تونس اليوم -

 تونس اليوم - في الطريق... إليّ

نداء عادل

قدرنا الكبير هو أن نتدرب باستمرار على الفقد، و هو ما يجعل الحزن أقل وطأة وأسهل تقبلاً مع مرور الوقت... كان الواقع أطلال ماض قريب وبعيد، اجتمعا في محيط واحد، جعل المشهد منعدم الإتزان، ولم تكن هي ترغب في إضافة الألوان على تلك الأحجار الرمادية من ذاكرتها، لكنها حاولت أن تفعل شيئًا مغايرًا، حاولت أن تضع سورًا حول أطلالها القديمة، بغية أن تفصلها عن البناء الجديد، علّها تنجح هذه المرة بإستكمال البناء وإبعاده عن سور الأشلاء.. مراراً حاولت استنكار حزنها على نفسها، لكن فقد جنينها الأول، الذي رغبت به بطريقة لا تشبه الرغبات الأخرى في حياتها، جعلها تستنكر على نفسها الفرح بخبر إنتظارها الفرحة المقبلة، جعلت منها الكآبة إنسانة غير قادرة على الأمل رغم ما تحاول التشبث به من بواقي حياة. لم يكن ذلك محض صدفة، بل كل ما في محيطها ساهم في صنع تلك الكآبة، تخبطت كثيرًا، وتألمت أكثر، شعرت وكأنها نذرت يوم مولدها للحزن لا للحياة، ألم تكن هي قاتلة والديها؟ تساءلت ولكنها من باب إيمانها بالقدر برّرت لنفسها رغم الصراع واليقين المتعاظمان في روحها أنها لم تكن لتختار دربًا غير دربها الملعون هذا... صدمة تلو الأخرى جعلت من الفرحِ أمراً مستحيلاً عادت بالذاكرة بضع سنين.. في ورشة النجار تعلّمت كيف تطعم الخشب بالصدف، هناك تعلّمت كيف تتحوّل الأشياء الصمّاء إلى جماليات، تغيّر شكل الحياة ومضمونها، أعجبتها الفكرة، لم لا تتحول إلى شيء أصم، وربما أبكم، قد يفقد المرء الحياة بهذا الشكل، ولكنه سيستمتع بطريقته الخاصة بما لديه، فلا يجرحه أحد، ولا يؤذي هو أحد بكلمته، ولا يبقى منه إلا ما يقدّمه من فعل ملموس... كان بين يديها لوح خشبي، بدا لها وكأنه لوح سحري، وهي الجنيّة التي تغيّر معالمه، بدأت برسم الصورة الأولى في ذهنها، وأمسكت بالإزميل وبدأت العمل، نقلت حلمها على الخشب، وتنقلت بين أجزائه وزواياه، حفرته هناك وبدأت تتخيل ألوانه، ترى كل زاوية منه، وكل قطعة من تاريخها تتلاشى في رسمها، نثرت الأصداف، صقلت أطرافها بمبرد ناعم، وكأنها تصقل ذاكرتها، وتختار ما ستبقي عليه من ملامحها. الألوان كثيرة، و هذا اللوح لن يكون باللون الخشبي والصدفي، هذا اللوح سيكون بكل ألوانها، وبدأت تفكر بالألوان، كان وحيها أسود اللون عقيم، دب بها الخوف فتوقفت عن الحلم والكتابة الخيالية، أمسكت بمقود عجلتها الهوائية وانطلقت نحو الغابة على أطراف البلدة،  والوقت على مشارف الخريف، بحثت هناك عن الألوان، ركضت بين الأوراق المتساقطة، وقفزت في أكوامها، رأت الفراشات الملونة، وتذكرت طفولتها، وألبومات الفراش المجفف التي كانت تقتنيها، طمعت في طفولتها، أحبت ذلك الهاجس، تتبعته، حتى تشبعت روحها بالطفولة وألوانها الأمينة، قرّرت أن تمنح لوحتها، أو ذاكرتها، ذاك الطيف، عادت مسرعة نحو الورشة، وبدأت تلوّن القطع الصدفية، لوّنتها بما بقي من ذكريات العمر، لوّنتها بألوان الطفولة، والسعادة، والأمان، لوّنتها بالدفئ الذي كانت تمتلك، وبدأت بتوزيعها على أجزاء لوحها الخشبي. مارست صمتها بابتسام، مارست صممها بتصميم، تخلّت عن نظراتها إلى اللوح بينما تنظر في ذاكرتها للحياة والرسم، ساعات أخرى مرّت، وانتهت من ممارسة السحر على لوحها الأصم، ولحظات مرت حتى أدركت أنَّ الأصم ينطق ببريق الحياة وألوان الفراشات، ونسائم الخريف. أدركت أنها في روحها تمتلك نبضًا قديمًا لم يتوقف بعد. أدركت أنَّ لها في مكان ما طيف من حياة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في الطريق إليّ في الطريق إليّ



GMT 12:11 2021 الأحد ,18 تموز / يوليو

بانتظار الربيع

GMT 09:37 2021 السبت ,05 حزيران / يونيو

"أحن إليك"

GMT 13:06 2021 الأربعاء ,02 حزيران / يونيو

خانه الظن

GMT 15:34 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

تراتيل

GMT 11:05 2021 الثلاثاء ,18 أيار / مايو

القدس

GMT 10:28 2021 الثلاثاء ,18 أيار / مايو

"أحبك أكثر"

GMT 10:26 2021 السبت ,15 أيار / مايو

رحيل

GMT 14:17 2021 الثلاثاء ,11 أيار / مايو

عربيٌّ أنتَ

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia