تتعرض العازبات للتمييز من قبل أصحاب العقارات في سوق الإيجارات المزدحمة بمدينة لاغوس، لكن ثمة طرقا ذكية ابتكرتها النساء للتحايل على هذه المشكلة.عندما وصلت إيدونغيسيت يودوه، التي تبلغ من العمر 36 عاما، للمرة الأولى إلى كبرى مدن نيجيريا لتتسلم وظيفتها الجديدة، حذرها أصدقاؤها من أنها لن تعثر على شقة إلا إذا لجأت لحيلة بسيطة. وتقول يودوه: "نصحوني بأن أبحث عن رجل - أي رجل سواء أكان خالي أو عمي أو أحد أبناء عمومتي أو خؤولتي أو صديق- حتى يتعامل مع المؤجر أو الوسيط العقاري مباشرة. فكل ما عليه فعله هو أن يصبح واجهة لنا كما لو كنا سلعة".واشتهرت سوق العقارات في مدينة لاغوس بأنها مزدحمة، لكنها أيضا يحكمها نظام أبوي. فإن المؤجرين في العموم لا يحبذون التأجير للعازبات. ولهذا اضطرت يودوه، مديرة حسابات بمؤسسة للاستشارات، لاستخدام ما بات يعرف بـ"الغطاء" أي الاستعانة برجل يتظاهر بأنه يقيم علاقة طويلة الأمد مع المستأجرة المحتملة، ليتعامل مع صاحب العقار ويسدد أقساط الإيجار في الشهور الأولى، ثم يختفي عندما تسير الأمور بسلاسة بين المستأجرة والمؤجر.وتقول يودوه: "يلتزم هذا الرجل الذي يكون بمثابة واجهة للمستأجرة، بارتياد الوحدة السكنية لمدة شهر أو اثنين أو ثلاثة أو ربما ستة أشهر، وعندما يتأكد أن المؤجر اقتنع بأنه متواجد دائما مع المؤجرة في الشقة، ينسحب تدريجيا ويختفي من حياتها. وبإمكانك دائما أن تبرر اختفاءه بأنكما أنهيتما العلاقة أو انفصلتما عن بعضكما".
قد يبدو هذا الأمر عسيرا، لكن العازبات اللائي يرغبن في السكن بمفردهن في مدينة يواجه فيها الناس بالفعل الكثير من التحديات لاستئجار مكان يصلح للسكن، يتحتم عليهن اللجوء للكذب للعثور على سكن.
لكن على الرغم من الصورة الشائعة عن تسلط المؤجرين والوسطاء العقاريين، الذين يملكون مطلق التصرف في العقارات، هناك بوادر تغيير تلوح في الأفق. فقد وفرت شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا حلولا للسكن بديلة لأنظمة الإيجار التقليدية التي تفضل التعامل مع الرجال. كما أصبح بعض المؤجرين أكثر عقلانية وتقبلا للعازبات. لكن هذا التغيير قد يستغرق وقتا طويلا، وقد لا تتمكن الكثيرات من العثور على عقار من دون "الغطاء".
في مدينة لاغوس، تلك المدينة الكبرى التي يبلغ عدد سكانها نحو 20 مليون نسمة، منحت أزمة السكن سلطة غير متناسبة للمؤجرين في سوق الإيجارات. واشترط الكثيرون منهم على المستأجرين دفع قيمة إيجار سنة مقدما بالإضافة إلى أجرة الوسيط العقاري. وبسبب ارتفاع الطلب على العقارات، قد يرفض الملاك أيضا الطلبات التي تخالف الصورة المحددة التي يرسمونها للمستأجر الجدير بالثقة.وقد تُقابل طلبات العازبات من بنات جيل الألفية بالرفض المتكرر، حتى لو كن يشغلن وظائف مرموقة. وذلك لأن المؤجرين، الذين ينتمي معظمهم إلى جيل طفرة المواليد الذين ولدوا بين عامي 1946 و1964، والجيل اللاحق، يعتقدون أن النساء لا يمكنهم المواظبة على دفع أقساط الإيجار الشهرية. ويرى الكثيرون أن العازبات ينبغي أن يعشن في منزل والديهن ولا يغادرونه إلا بعد الزواج. وإذا وافق المؤجر على تأجير المسكن لعزباء، فقد يفضل التعامل مع رجل ليقوم بدور الوسيط، حتى لو كانت المرأة هي التي تدفع الإيجار الشهري.وتواجه داميلولا أولوشولا، أخصائية اجتماعية عزباء تبلغ من العمر 32 عاما، في الوقت الراهن، صعوبات للعثور على غرفة للإيجار بالقرب من مقر عملها. وتقول أولوشولا: "أخطط للانتقال من منطقة إيكورودو الساحلية بسبب الازدحام المروري. وما زلت أبحث عن مسكن في منطقة أخرى منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي".
وتواجه أولوشولا ضغوطا من المؤجرة الحالية لأن عقدها انتهى منذ مارس/أذار الماضي، وتنص عقود الإيجار عادة على أن المستأجر يلتزم بدفع قيمة إيجار سنة كاملة مقدما إذا أراد أن يجدد عقد الإيجار بعد انتهاء مدته. وقد اضطرت أولوشولا لتعديل ميزانيتها منذ بداية البحث عن مسكن جديد بالقرب من مقر عملها، لكنها تقول إن المؤجرين من الصعب إرضاؤهم.وتقول أولوشولا: "قد يعرض عليك الوسيط العقاري أحيانا ما يريده المؤجر. فقد لا يرغب في تأجير المسكن لشخص أعزب، أو إذا كان أعزب قد يشترط أن يكون مرتبطا بعلاقة رسمية. فهناك الكثير من القواعد والشروط التي تتضمن عدم العودة متأخرا إلى المنزل".وبالرغم من أنها لم تستعن بعد بـ "غطاء"، إلا أنها تفكر الآن في طلب المساعدة من أحد زملاء العمل الذكور للعثور على مسكن. وتقول: "يحاول مديري المباشر مساعدتي في العثور على شقة، وربما أحظى باحترام المؤجرين عندما يرون شابا يساعدني في البحث عن مسكن".
وقد تظاهر رفيق أودوه السابق بأنه زوجها حتى تضمن العثور على مسكن، لكن لم يكد يمضي أسبوع حتى اكتشف المؤجر الخدعة وأعاد إليها المال الذي دفعته وطردها من الشقة، وبدأت البحث مجددا.
ويلقي المستأجرون باللائمة عادة على الوسطاء العقاريين عندما تبوء محاولاتهم في العثور على مسكن بالفشل، رغم أنهم في نهاية الأمر لا يمكنهم التأثير على قرار المؤجر. وتقول أوغونما أرهويري، رائدة أعمال في سوق الإيجارات، إن الوسطاء العقاريين ليس بوسعهم فعل الكثير لمساعدة الباحثات عن منازل للإيجار. وتقول: "إن الوسطاء يفعلون ما يأمرهم به المؤجر، وليس لديهم سلطة قانونية لمطالبته بتوفير شقق لهؤلاء النساء".وقد يتعاطف بعض الوسطاء العقاريين مع العازبات بسبب العقبات التي يواجهنها وقد يرحبون بالغطاء للتفاوض مع صاحب العقار نيابة عن المستأجرة. وقد تقع الكثيرات من النساء في هذا المأزق، لأن تعريف العزباء في سوق العقارات في لاغوس واسعا، إذ يشمل غير المتزوجة، شابة كانت أو مسنة، والأمهات العازبات والمطلقات والمترملات وحتى المتزوجات اللائي يعيش أزواجهن في الخارج.وتقول أرهويري إن أصحاب العقارات يشعرون أن النساء قد يتسببن في الكثير من المشاكل، وبعضهم لديه مخاوف ذات صلة بالانحراف الأخلاقي ويخشون أن تجلب المرأة التي تعيش بمفردها عدة رجال إلى شقتها. وهذه المشاكل المتجذرة في الثقافة المحلية ينبغي التخلص منها حتى لا تواجه النساء المزيد من الإخفاقات والتحديات. وترى أن تضامن جميع الوسطاء العقاريين في وجه المؤجرين قد يسهم في إنهاء الممارسات التمييزية.ويواجه الرجال العزّاب أيضا تحديات لاستئجار عقارات، لأن المؤجرين يرون أنهم غير جديرين بالثقة أيضا.
ويقول سامسون توروميد، محرر بإحدى الصحف المحلية: "لقد حصلت على شقتي الحالية لأنها كانت الشقة اللائقة الوحيدة بين عشر شقق أخرى، وليس لأنها أفضل الشقق التي كان يمكنني الحصول عليها آنذاك. ولكني خشيت أن أجازف بفقدانها لو بحثت عن شقق أخرى غيرها".
غير أن ثمة تغييرات جديدة قد تزيل بعض العقبات أمام المستأجرين المهمشين. إذ ظهرت في سوق العقارات مؤخرا بعض الشركات الناشئة التي تؤجر الغرف للعاملين شهريا، مثل شركة "سبليت"، التي دُشنت في نيجيريا عام 2017، وأسست فروعا الآن في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويضم موقعها عقارات مجهزة بالكامل وليس لديها هواجس من التأجير للنساء.ويقول نائب رئيس الشركة فيكتور إيكويالور، إن الشركة تتحقق من صحة المعلومات التي يدلي بها المستأجرون في المعتاد، ولا تخضع النساء لأي إجراءات وفحوصات إضافية. ويقول: "إن معظم النساء لا يعاملن بإنصاف في المؤسسات العقارية التقليدية التي يهيمن عليها الرجال". ويؤكد على أن شركته تريد منح النساء حلولا معيشية لائقة، بغض النظر عن حالتهن الاجتماعية.وقد أدرجت دانييلا أجالا، مديرة التخطيط الاستراتيجي البالغة من العمر 33 عاما، غرفة شاغرة في شقتها على موقع "سبليت" واستأجرتها امرأتان انتقلتا مؤخرا إلى نيجيريا للعمل. وتقول: "لحسن الحظ أنني لم اضطر للبحث عن شقق في لاغوس، ولكني سمعت الكثير من القصص الصادمة". وترى أنه من المؤسف أن تُقابل طلبات النساء بالرفض لأنهن عازبات أو إناث. وتقول إن المستأجرتين شعرتا بسعادة بالغة للعثور على مكان تعيشان فيه، وقد استئجرت الغرفة في غضون أسابيع قليلة من إدراجها في الموقع.
لكن الخيارات المعروضة في موقع "سبليت" ليست رخيصة. إذ يبدأ الإيجار الشهري للوحدة السكنية على الموقع من 650 دولارا فما فوق، وهذه الأسعار ليست في متناول أصحاب الدخل المنخفض. وبينما لا تزال الكثير من الشركات الناشئة تشق طريقها في هذا المجال، إلا أنها لا يمكنها سد النقص في المساكن المناسبة للنساء. فقد تفاقمت مشكلة نقص المساكن في أعقاب تفشي فيروس كورونا بعد انتشار تقارير عن ارتفاع حالات العنف المنزلي المرتبطة بالحجر الصحي.
وتستثمر الحكومة النيجيرية في القطارات والعبارات لربط المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة على مشارف لاغوس بمراكز التجارة والأعمال بالمدينة لتخفيف أزمة الإيجارات. لكن هذه المشروعات ستستغرق وقتا طويلا. ولهذا فإن أصحاب العقارات الذين لديهم استعداد لإعادة النظر في الطرق التي يتعاملون بها مع المستأجرين قد يؤدون دورا محوريا في إتاحة فرص جديدة للعازبات.ويعتزم أولوميد جونسون، البالغ من العمر 66 عاما، تأجير الغرف في المبنى الذي يملكه المكون من عدة شقق، بمجرد ما تبدأ الحكومة في إصلاح الطريق المؤدي إليه. ولا يجد غضاضة في التأجير للعزاب أو العازبات، بل كل ما يهمه هو قدرة المستأجر على سداد الإيجار في الموعد المحدد شهريا.ويقول جونسون: "يجب أن تكون المستأجرة موظفة وقادرة على السداد"، مضيفا أن قرار التأجير لامرأة سيتوقف على قدرتها المالية فقط. ويقول: "قد أطلب من المستأجرة بأن تضيف إلى العقد أنها في حالة عجزها عن سداد إيجار شهر واحد، بعد انتهاء مدة عقد الإيجار السنوي، سأطلب من الشرطة طردها من المنزل".
لكن التغييرات في سوق العقارات في لاغوس تمضي بوتيرة أبطأ من المطلوب، ولا يزال المجتمع النيجيري لا يحبذ التأجير لعازبات.وبعد طرد يودوه من الشقة، استطاعت أن تجد مؤجرة توافق على التأجير لعزباء. ومع أنها ليست راضية تماما عن هذه الشقة التي تسكن فيها منذ ثلاث سنوات بسبب سوء إدارة المرافق، إلا أنها تستبعد فكرة الانتقال إلى شقة جديدة بسبب المعاناة التي تكبدتها للعثور عليها. وتقول: "أواجه مشاكل متكررة بسبب فواتير الكهرباء، لكنني أتساءل دوما، هل سأواجه نفس المشاكل إذا حاولت البحث عن شقة جديدة؟ وهل سأدخل في نفس الدائرة المفرغة؟"وأغلب الظن أن البحث عن شقة للإيجار سيكون عسيرا، لأن الأفكار التي سببت لها المتاعب لم تختف بعد من سوق العقارات. ويعيش مع يودوه في الوقت الراهن شقيقاها الأصغر منها سنا، وطلبت منها المؤجرة أن تتعامل معهما بدلا منها عند الاتفاق في مسائل الإيجار الرسمية، رغم أن يودوه هي التي تعيل شقيقيها.وتقول يودوه: "قد يبدو الأمر سخيفا ومثيرا للغضب، فأنا المسؤولة عن دفع الإيجار، ومع ذلك، لماذا عندما أشكو أو أتحدث عن الخدمات التي لا أحصل عليها مقابل المال الذي أدفعه، يجب أن يتحدث رجل نيابة عني؟ هذا أمر غير مفهوم".
قد يهمك ايضا :
بريطانيا تعلن أنها لن تنشر بيانات إمدادات اللقاحات لأسباب أمنية
تحذير جديد في إرشادات استعمال لقاح "سبوتنيك V"
أرسل تعليقك