بيروت ـ ننا
أقامت مجلة "الطريق" ندوتها الفكرية - الأدبية اللبنانية - العربية في قصر الاونيسكو، المكرسة لحياة وأعمال رئيس التحرير محمد دكروب، الذي رحل تاركا بصمته في تاريخ الثقافة العربية التقدمية المعاصرة، في حضور فعاليات سياسية وثقافية.
بداية تحدث باسم المجلة علي غريب وشدد "على حرص محمد دكروب على أن يكون للمجلة دور أساسي اليوم أكثر من المرحلة الماضية، وقد عاش عمرا معرفيا متطورا باستمرار من الموقع الملتزم، وبذل كل ما يمكن من أجل ايجاد الأرضية المشتركة بين الأفكار التقدمية بكل منابعها منطلقا من الماركسية المنفتحة، فاحتفى بكبار المفكرين وأصبحت الطريق حياته وشاغله الأكبر".
ثم اعتبر ربيع ديركي "أن اللقاء في ندوة تكريمية للراحل الشيوعي محمد دكروب ندوة هم مجلة الطريق، منها ألا تنحصر في نتاج دكروب كي لا تحصره، ونتاجه في ندوة لا يلتحم فيها بحث الواقع بتحديد المعوقات ومهام التغيير الثوري الذي للمثقفين موقعهم فيه إلى جانب العمال والفلاحين والأجراء، ففي ذلك يلتحم الكادحون بأيديهم وأدمغتهم في فعل التغيير الثوري".
وفي الجلسة الأولى كان أول المتكلمين الدكتور الشفيع خضر سعيد (السودان) فقدم دراسته بعنوان "موقع المثقفين ودورهم في التغيير الثوري"، مؤكدا "أن هذا الموضوع قديم وجديد متجدد، وباستمرار تظل هناك حاجة ماسة لمواصلة مناقشته وتجديد الاستنتاجات حوله"، ورد الحاجة هذه إلى "الجدل المحتدم حول تعريف المفهومين، المثقف والتغيير، والالتباس الذي دائما ما يصاحب محاولات تأطير العلاقة بينهما."
ثم تحدث وليد الرجيب (الكويت) عن "اليسار ومواجهة النيوليبرالية في مجال الثقافة"، مستعرضا معظم المفاهيم التي تستخدمها النيوليبرالية في الصراع الايديولوجي الدائر راهنا، مشددا على أهمية "المراجعة التحليلية النقدية لمسيرة اليسار بشكل دائم ومستمر مع الانعطافات التاريخية وتجديد الخطاب والمصطلح الملتبس والرؤية الثقافية."
وتناولت فريدة النقاش موضوع "تكامل الرؤية في كتابات محمد دكروب" مشددة على نموذج المثقف الثوري الذي مثله دكروب لجهة ارتباط المثقف بقضايا أمته وشعبه في معارك التحرر الوطني كما ارتباطه بقضايا التقدم الاجتماعي والثورة"، تلاها صلاح السروي فتناول موضوع "تأريخ الحداثة العربية في كتابات محمد دكروب" و "شعرية الكتابة عن الآخرين"، قاصدا بالشعرية الوقوف على "مكونات النزعة التأريخية" لدى دكروب "كاتب السيرة المنقب عن تفاصيل حياة أبطاله والتأريخ لمراحلهم الابداعية وأطوارهم الفكرية وقراءة ملامح هذه الأطوار وعوامل تكونها الحياتية، مبرزا عناصر القوة الرؤيوية والفكرية الكامنة في أعمالهم"، إلى جانب كونه "الناقد الأدبي القادر على التقاط عناصر الدلالة الفنية وإجراء التحليل الجمالي الدقيق."
واختتمت الجلسة الأولى بتقديم دراسة للدكتور عبد الإله بلقزيز (المملكة المغربية) بعنوان "شخصيات محمد دكروب المتحدة"، استهلها بالقول "إن شخصية محمد دكروب تفيض عن التصنيف في دائرة بعينها من دوائر الاتهام الثقافي والكتابة، فهو متعدد الوجوه والواجهات وإن ظل فيها واحدا، لا يكاد أن يحيد عن خط في النظر والقراءة اختطه لنفسه منذ الخمسينات في القرن الماضي. ناقد أدبي وكاتب سياسي ومؤرخ ناهيك، بالمدير الناجح للدوريات الثقافية".
واستهلت الجلسة الثانية للندوة الدكتورة يمنى العيد (لبنان)، فقدمت "محمد دكروب وسردياته النقدية"، مشددة على خصوصية النقد والكتابة والاسلوب لدى محمد دكروب موضحة أن نصوص محمد دكروب النقدية (ليست) نصوصا سردية وإن كان للسرد فيها نصيب ملحوظ لا يكتفي سرد محمد بالذاكرة بل يضيف إليها، وبصفتها مرجعية هامة في كتاباته تؤسس لمصداقية برهانية أمينة لمنطلقات دكروب".
وتناول الدكتور أحمد فائز الفواز (سوريا) "دكروب إحياء الذاكرة وإعادة التأسيس"، معتبرا "أن ما يميز هذا الاسم وما يحجز لحامله مكانة خاصة هو عمله الجميل جذور السنديانة الحمراء"، وهو عمل "ككثير من الأعمال الجميلة لم يلاق ما يستحقه من اهتمام وتقدير في سورية"، مشددا على أهمية "العودة إلى الجذور والاهتمام بالتاريخ".
وتوقف عند كون "السنديانة، عدا عن الجذور، لها ساق وأغصان وأوراق دائمة الخضرة، وهي لا تستطيع العيش لوحدها بل في غابة. نحن الآن عند مربط الفرس وكأننا عدنا إلى وضع يشبه، وإن بمستوى أعلى وأكثر تعقيدا، ذلك الوضع الذي بدأ فيه الرعيل الأول في الحفر في الصخر".
اما مروان عبد العال (فلسطين) فتناول "محمد دكروب بين روح الأدب والرومنطيقية الثورية". وانطلق في دراسته من أن دكروب "يتكىء على تجربة ثرية وثورية تؤكد أن الحقيقة يستحيل أن تصادر أو تعتقل أو يلوى عنقها، وكذلك الأفكار لا يمكن قطع رأسها".
ووضع عبد العال "ذهنية التفكير في مواجهة ذهنية التكفير متوقفا عند التحديات التي تعيق المعرفة الأدبية ومنها "تحدي التقليد والابداع، أي الكلاسيكية والتجدد" و "تحدي الذاكرة بين التمجيد والتجديد" و "تحدي إعادة إنتاج المعنى"، مؤكدا "أن محمد دكروب قد واجه هذه التحديات بقيم تجديد روح الأدب من خلال تأصيل وتحديث مضمون الثورة والذاكرة والمعنى".
وتحت عنوان "ثقافة التغيير: قراءة في حوارات محمد دكروب" تناول ناصيف قزي (لبنان) الجوانب غير المعروفة التي أضاءها دكروب في حياة شخصياته الفكرية والثقافية، في كتاباته النقدية والتاريخية، فإذا به "مبشر أممي في بدء من عروبته، بل واعظ يستلهم المفاهيم التي تخصب مجتمعا، ليصبح أكثر عدالة. إنه من التراث بمنزلة المحراث، في زمن قد لا يبقى فيه تراث ولا محراث، إذا ما استفحلت الأوضاع السائدة في عالمنا العربي والاسلامي، وخنقت الجريمة المتمادية في حق شعوبنا انفاس الحياة".
كذلك تناول الدكتور حسن اسماعيل (لبنان) "المنهج التاريخي في جذور السنديانة الحمراء". فبين أن دكروب "يعترف انه يحرث في أرض بكر وعليه أن يتحمل كل النتائج والأخطاء". وتوقف عند نماذج كافية لبيان صحة الاسناد التاريخي عند دكروب ولبيان موضوعيته وقدرته على التزام المنهج التاريخي وعند الحب الذي شحن به الكتاب".
ثم جرى تقديم بحث الدكتور فيصل دراج (فلسطين) بعنوان "محمد دكروب: النقد الأدبي وأخلاق التذكر"، وانتهى فيها إلى أن دكروب "اعتمادا على الجملة المضيئة الملتبسة عاش مثقفا أخلاقيا له قضية، وله موقف منها لا مساومة فيه وغير خاضع للمواسم، وعاش الذين انتسبوا إلى الواقعية، أو انتسبت الواقعية إليهم، حياة ثقافية صادقة تدافع عن خير الانسان، وتحتفي بالصحيح."
اشارة الى ان رحيل دكروب مناسبة لتقويم الأثر العميق لحضوره في مجالات الصحافة الثقافية الثورية وخاصة من خلال الصفحات الثقافية لصحف الحزب الشيوعي اللبناني والمجلات الفكرية والثقافية ذات التوجه الديمقراطي التقدمي، الثقافة الوطنية و الطريق، كما باسهاماته في العديد من الدوريات الثقافية في عدد من البلدان العربية.
وستصدر أبحاث الندوة كاملة في عدد خاص من مجلة "الطريق" مكرس لمحمد دكروب.
أرسل تعليقك