بيروت ـ ننا
اختتم مؤتمر "الإعلام والمواطنة والتشريع" أعماله اليوم الأربعاء، في قاعة "جبران تويني"، في الجامعة اللبنانية، كلية الإعلام والتوثيق - الفرع الثاني، في الفنار، في حضور أساتذة وطلاب والمهتمين.
وتحدث في المحور الأول: النائب غسان مخيبر، مدير الكلية الدكتور ابراهيم شاكر، والدكتوران بسام الهاشم وجوزف عساف.
أما في المحور الثاني فكانت كلمات لنائب رئيس جامعة الروح القدس - الكسليك الأب الدكتور جورج حبيقه، عميد كلية العلوم الانسانية في جامعة البلمند الدكتور جورج دورليان، والدكتور هاني صافي من كليتي الاعلام والاداب في الجامعة اللبنانية.
بعد النشيد الوطني ونشيد الجامعة وكلمة تعريف من الزميل شربل مارون، ألقى شاكر كلمة قال فيها: "في منطقة مأزومة، وبعيدا عن الزمن الجميل، هذا المؤتمر هو سردية عن الوطن والمواطنة، الأرض والإنسان. وما نحاول في الاكاديمية أن ننجزه تعبيرا عن حبنا وتعلقنا بالوطن، هو الإصرار على دور المثقف والرهان عليه، خصوصا في فترة الأزمات. كما نضيء على مفهوم المواطنة الديموقراطية ودورها في دولة القانون وارتباطها بالمشاركة الارادية والحرة والمسؤولة".
أضاف: "مع ثورة الاتصالات، لم يعد الصحافي وحده يخبرنا عن العالم، فاليوم الكل يرى، ولكن المواطن - الصحافي الذي يحتاج إلى بيئة حرة ليمارس حقه، يحتاج إلى معرفة عميقة ليكون مسؤولا. وهنا، الجهد الكبير. وإن المؤتمر الذي نعقده اليوم، هدفه توضيح هذه المفاهيم لجهة ارتباطها بالمواطنة والإعلام والتشريع".
وبعد أن لخصت مديرة الجلسة الدكتور ماري نويل خوري النقاشات التي دارت خلال فعاليات المؤتمر، ألقى مخيبر كلمة قال فيها: "انتقل الإعلام من التخصص في زمن غابر كان يعمل على صف الحفر على منضدات الخشب وتقنيات الطباعة المعقدة، إلى أفراد يفعلون الحدث، كما في الحرب السورية الدائرة اليوم بالصور والاصوات، والكلمات على صفحات الانترنت، وبات الكلام اليوم عن المواطن - الصحافي. إن موضوعي معكم اليوم هو الشخص - الصحافي في أبعاده ونتائجه القانونية، فهذا تطور هائل حصل ويحصل في العالم ولبنان والمنطقة، ومن خلاله انتقلت الحرفية من قلة متخصصة وممولة الى كثرة لا تحتاج الى الكثير من المال والادارة".
أضاف: إن الثورة الإعلامية لم يواكبها القانون والتشريع. وفي زمن الثلاثيات في لبنان التي يتنافس فيها الذهب مع الخشب، أعتقد أن الكلام في قانون الاعلام يزيد على هذه الثلاثية صفة التراب، فقانون الإعلام والملابسات المرافقة له متخلفة جدا عن التطور الجاري، وهناك هوة واسعة تفصل بين التطور التقني والاعلام المواطني الحديث والتشريع اللبناني والممارسات القانونية اللبنانية. وحيال هذا الواقع، كان لي شرف العمل مع مجموعة من القانونيين والصحافيين، لاسيما جمعية "مهارات"، على صياغة قانون جديد للاعلام تسجل منذ خمس سنوات في مجلس النواب، ونوقش في لجنة الاعلام النيابية. وإن غالبية الأحكام الواردة في هذا الاقتراح أقرت من اللجنة، وتنتظر لاحالتها على الهيئة العامة لمجلس النواب. وفي هذا النص الكثير من التغيير في النظرة للاعلام والصحافيين، لا سيما بالنسبة الى الاعلام الالكتروني. وفي هذه النصوص الجديدة، مواكبة للثورة الواقعية في بعض من التعديلات القانونية".
وتابع: "كنت دائما أدعو زملائي النواب ومجموع الصحافيين إلى الاهتمام بهذا النص، وآسف للقول بأنني لم أجد الاهتمام الذي يستحقه هذا الجهد التشريعي الذي بادر إليه صحافيون ونواب. وآسف أيضا لأن المواكبة المواطنية والصحافية كانت ضعيفة جدا، ولا نراها ترفع الصوت، إلا حينما يقع المحظور، ويوقف صحافي أو يلاحق".
وتطرق مخيبر الى "ما يحتاج إليه القانون اللبناني والممارسة اللبنانية من تطوير ليتمتع المواطن - الصحافي بالحماية والضمانات الضرورية لممارسته لحرية الرأي والتعبير"، وقال: "إن تعريف الصحافي القانوني في لبنان، كما ورد في القانون، ضيق ومتحجر. لقد خلص قانون المطبوعات إلى منح صفة الصحافي لكل لبناني أتم الحادية والعشرين من العمر ليتخذ الصحافة مهنة ومورد رزق من دون أي مهنة أخرى، كذلك المجاز بالصحافة أو أي إجازة جامعية أخرى أو الحاصل على البكالوريا - القسم الثاني وخضع لمدة التدرج القانونية، وكان مسجلا في الجدول النقابي الصحافي ويمارس المهنة، وفق احكام النظام الداخلي لنقابة المحررين".
أضاف: "هذه الصفة القانونية يترتب عليها ألا يقع تحت طائلة الملاحقة الجزائية بانتحال صفة الصحافي، مع العلم أن "جنة النقابة"، كانت مقفلة لسنين طويلة على غالبية الصحافيين في لبنان، واذا كان هذا القانون مرتبطا على الأقل بالصحافة المكتوبة، فهناك علامات استفهام عن مصير الصحافيين في الإعلام المرئي والمسموع والالكتروني. أنا من الرأي القائل بإلغاء الامتيازات المرتبطة بصفة الصحافي، وجعل الملاحقات الجزائية لا تنطبق على أي كان في مجال الكتابة، سواء أكان الصحافي متفرغا أم غير متفرغ، وإلغاء هذه العقوبة التي أعتبرها مجحفة وغير متناسقة مع متطلبات العصر في ما يتعلق بانتحال صفة الصحافي".
وتابع: "نحن ننظر الى النقابة بمعنى SYNDICAT، ولا نرى وجوب اعتبار انتساب الصحافي اليها كشرط من شروط ممارسة المهنة. وبذلك، نكون قد حمينا المواطن - الصحافي في ما يختص بحقه ففي ممارسة حرية الصحافة عبر أي وسيلة من دون الخشية من الملاحقة الجزائية بانتحال صفة. وأشدد على ضرورة توسيع أطر الحماية لكل من يمارس حرية الرأي والتعبير".
وأشار إلى أن "الخطر الثالث المداهم للمواطن - الصحافي هو حصول الملاحقة والمحاكمة، فالصحافي لا يحاكم إلا أمام محكمة المطبوعات. أما في مجال الإعلام المواطني، فهذه الحمايات ضعيفة، لا بل شبه منعدمة"، وقال: "جهدنا في مجال الحصانات إلى ألا يستدعى الصحافي أمام الضابط العدلي، بل أمام النيابة العامة، ولكن يبقى هذا السيف مصلتا على سائر الأفراد غير المنتسبين إلى نقابة الصحافة وغير الحائزين على الصفة القانونية للصحافي".
ولفت إلى أن "مكتب مكافحة الجرائم الالكترونية يتمتع بخبرة فنية، وينحصر دوره في جمع الادلة، ويحتفظ القضاء بصلاحية التحقيق والاستقصاء".
من جهته، قال عساف: "ما نسميه الاعلام الوطني لا يجب أن يقف عند حدود الاعلام الرسمي، بل يجب أن يتوسع ليطال الاعلام كله، ليس من منظور مادي، بل من منظور الانتماء إلى وطن والدفاع عن قيمه وتعزيز القواسم المشتركة بين أبنائه. إن وظيفة الاعلام الاساسية هي توجيه الرأي العام، ومحاولة إخراجه من مرتبة الظن والاعتقاد والانتماء الوجداني أو الغرائزي، إلى مرتبة الوعي والمعرفة والاختيار، أي تعزيز روح المواطنة الواعية فيه".
أضاف: "إن الازمة الحقيقية التي يعيشها إعلامنا اليوم هي أنه بات موزعا في أغلبه بين المادة الترفيهية المجانية المقتبسة غالبا من برامج أجنبية، والتي لا تحمل أي بعد ثقافي أو حضاري أو انساني، وبين المادة العنفية. إذا، ليس بالانفعال والانشغال يصنع اعلام ولا مواطنة".
وشدد على "وجوب تعزيز ضوابط المهنة وحمايتها من خلال تطوير القوانين المرعية والارتقاء بالخطاب الاعلامي إلى ما فوق الخطاب السياسي وإخراج الاعلام من دائرة السبق الصحفي وتحريره من الاعلان، والخروج من عقدة الجماهيرية، وتنقية المهنة من الدخلاء والطارئين عليها".
أما الهاشم فاعتبر أن "الصحافة المواطنية هي صحافة التزام يتساوى فيها الاعلامي مع المثقف والسياسي، هي الشهادة من قبل الصحافي في سبيل نصرة القضية الحق التي يؤمن بها".
وعن علاقة الاعلام والمواطنة بالتنشئة الاجتماعية، قال: "إن الانسان بكل مكوناته الفكرية هو ثمرة اكتساب طويل من مصادر يتلقى منها القيم التي تبني شخصيته وتدفعها في اتجاه محدد من الاسرة الى المدرسة، فالجامعة والتنظيمات السياسية ووسائل الاعلام، والمؤسسات الحكومية والدينية".
وشدد على "وجوب مواجهة التحديات التي تعترض دور الاعلام في بلورة شخصية الفرد ودمجه في المجتمع، لا سيما أن البنية الدستورية للدولة تتضمن التباسا جوهريا في النظر الى المواطنة، معتبرا أن "المشكلة الكبرى تكمن في الدستور الذي يعطي الطوائف الحق في إدارة احوالها الشخصية ومؤسستها التربوية"، متسائلا: "أي مجتمع سيدمج فيه الاعلاميون، المواطنين الذين يعملون على تنشئتهم".
واعتبر أن "الإعلامي لا يستطيع القيام بدوره في تنشئة المواطن، إذا لم ينحز جذريا الى مبدأ المواطنية، والمطالبة بتجاوز الواقع على كل المستويات، وإن السبيل الى ذلك إلغاء الطائفية السياسية عبر ضرب الأسباب العميقة المبررة لوجودها بالعلمنة الشاملة".
وانتقد "تراجع الإعلام الرسمي لمصلحة الإعلام المتخصص الذي يخضع لشروط المال والمشاريع الاقليمية"، داعيا إلى "تفعيل دور المجلس الوطني للاعلام الذي تحول الى هيئة شكلية".
بعد كلمة تقديم في المحور الثاني من الدكتور معين رحال، تحدث الأب حبيقه فاعتبر أن المواطنة اللبنانية هي استثنائية في هذا الشرق، ولدت من ناس هاربين يحملون ذاتية لغوية، ويجمعهم الألم والوجع والحفاظ على الذات"، وقال: "هذه الصفات - الخصائص لا تزال موجودة حتى الآن، فعندما اجتمعنا في هذا البلد، توافقنا بعد انهيار الامبراطورية العثمانية والانتداب الفرنسي على لبنان الكبير".
أضاف: "إن التنوع موجود في الطبيعة، والمواطنة اللبنانية أسقطت مفهوم التسامح الذي يعني استجداء حق الوجود من الآخر، وإن الفرادة ترافق تكوين المجتمعات الديموقراطية. نحن كمسيحيين ومسلمين نولد في لبنان في حضن التنوع، وقانوننا ودستورنا يحميان حرية تغيير الدين، وهذا ما ليس متوافرا في سائر البلدان العربية".
وتابع: "إن الانتماء يعني أن تكون ذاتك لكي تكون مع الآخرين، وصيغتنا هي أرقى صيغة في العالم لأنها تحفظ حقوق الجميع".
من جهته، اعتبر دورليان أن "المواطنة توازي وطنا ينتمي اليه كل مواطن فرد، وإن التعددية توازي الخروج من نظام القبيلة إلى نظام الأفراد، والدولة هي خيار أفراد أحرار، والانتماء يكون لقيم وليس لجغرافيا"، مشيرا إلى أن "لبنان وطن متروك ايديولوجيا"، مشددا على ان الدولة تبنى على أفراد، وليس على جماعات".
وإذ أشار الى "تغلب الهوية الطائفية على الهوية الوطنية في لبنان"، اعتبر ان "الطائفة هي التي تحدد الانتماء السياسي فيه"، وقال: "إن العروبة مقولة فيها من الاشكالية ما يجعلها متناقضة ومتضاربة في كثير من الأحيان".
وقارب صافي موضوع "المواطنة وتجربة الأحزاب السياسية ومفاهيم المواطنة والقيم المرتبطة بها"، معتبرا أن "مفهوم المواطنة يختلف بشكل عميق بين بلد وآخر"، معرفا إياها ب"الانتماء المباشر للوطن والولاء له، مما يعطي المواطن مجموعة من الحقوق، ويرتب عليه مجموعة من الواجبات".
وقال: "إن المواطنة الإيجابية مفهوم متقدم يعني ذهاب المواطن الى أبعد من مجرد ممارسة واجباته، ويشارك في تطوير مؤسساته وفي بناء مستقبله. ونحن نشدد على أن المواطنة الايجابية خيار وانتماء".
وشدد على أن "الأحزاب الفاعلة في لبنان هي أحزاب الطوائف"، لافتا إلى أن "الأحزاب اللبنانية فشلت في تجسيد القضايا الوطنية ذات الاهتمام المشترك والمنفعة العامة، ولم تتمكن من الارتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية، فهي لا تحاكي الشباب ومنطقه وتطلعاته وآرائه".
أرسل تعليقك