أكد فريق بحثي من عدد من المختصين والمعنيين بإدارتي الثروة السمكية والرصد البيئي بوزارة البيئة ومركز الدراسات البيئية بجامعة قطر والإدارة العامة لأمن السواحل والحدود بوزارة الداخلية، أن الظاهرة الحالية لنفوق بعض أنواع الأسماك في المياه القطرية، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعوامل الطبيعية المناخية، خاصة ارتفاع درجة حرارة مياه البحر ونقص الأكسجين المذاب في الماء.
وقال أعضاء الفريق عقب إجرائهم مسحا بحريا من خلال سفينة أبحاث جامعة قطر "جنان"، إن العوامل المناخية الطبيعية وأهمها ارتفاع درجة حرارة مياه البحر في فصل الصيف، تلعب دورا رئيسيا في ظاهرة نفوق الأسماك في العديد من دول المنطقة، مثلما حدث سابقا بصفة متكررة في المياه القطرية وغيرها، مشيرين إلى أن الدراسات التي اعتمدت على العديد من البيانات البيئية التي يتم رصدها للمنطقة محليا أو عن طريق وكالة "ناسا" الفضائية، أثبتت أن السبب يرجع إلى عوامل عديدة مرتبطة ببعضها، تضم درجة حرارة مياه البحر والعوالق البحرية والرياح والتيارات البحرية والأكسجين المذاب في مياه البحر، مما يرسخ دور العوامل المناخية وخاصة درجة حرارة مياه البحر في ظاهرة النفوق الجماعي للأسماك.
وقد تضمن المسح، رصدا للخصائص الفيزيائية للمياه البحرية وأنواع وتجميع عينات من الأسماك النافقة على امتداد قطاع المسح البحري، بالإضافة إلى دراسة الخصائص الفيزيائية والكيميائية للمياه البحرية من خلال محطات ذات أعماق تصل إلى 7 و14 و29 مترا.
واستخدمت الإمكانات والأجهزة البحثية المتوفرة على متن السفينة "جنان" للقياس الفوري للعديد من المعاملات المتعلقة بخصائص مياه البحر، مثل درجة الحرارة والأكسجين الذائب والكثافة والتأين والملوحة والشفافية وغيرها. كما تم تجميع عينات مياه من تلك المحطات لاستكمال بعض التحاليل المخبرية المتعلقة بجودة وسلامة مياه البحر ، علما أن درجة حرارة سطح البحر في منطقة المسح قد سجلت درجات عالية نسبيا، في حين سجلت مؤشرات الأكسجين الذائب في الماء، معدلات متدنية.
وفي تعليقة على المسح، صرح السيد محمد سعيد الشقيري المهندي، مدير إدارة الثروة السمكية بوزارة البيئة وعضو الفريق البحثي، إن نتائج المسح تؤكد أن الظاهرة الحالية لنفوق الأسماك، هي نتيجة مباشرة للعوامل المناخية، حيث ارتفاع درجة حرارة مياه البحر وما تبعه من تدني مستويات الأكسجين الذائب في مياه البحر.
وأشاد المهندي الى سرعة استجابة الجهات المعنية بالدولة وتفاعلها مع الحدث وتضافر الجهود بتكليف المتخصصين والمعنيين للمشاركة في هذا المسح المهم لمعرفة الأسباب الحقيقية والعلمية لنفوق الأسماك، حيث أظهرت نتائجه أن ارتفاع درجة الحرارة هو السبب الرئيسي والمباشر لهذه الظاهرة.
من ناحيته قال الدكتور إبراهيم محمد الانصاري، أستاذ الكُتل المائية بجامعة قطر، إن ظاهرة نفوق الاْسماك، ظاهرة قديمة، تم رصدها منذ عام 1996 ، وأصبحت تتكرر بشكل شبة سنوي أو كل عامين، خاصة خلال الأسبوع الأخير من شهر أغسطس والأول من شهر سبتمبر، مشيراً الى أن السفينة "جنان" التي تمتلكها جامعة قطر وما تحتوي عليه من تجهيزات بحثية و مختبرات حديثة قد ساهمت بفاعلية من خلال استخدامها في المتابعة المتكررة لرصد ظاهرة نفوق الأسماك.
أما الدكتور إبراهيم المسلماني، أستاذ البيولوجيا البحرية ومسؤول سفينة الأبحاث بجامعة قطر، عضو الفريق البحثي، فقال إن الأسماك تتأثر بصورة متفاوتة بتغير درجات الحرارة وبمعدلات الأكسجين الذائب في المياه .. مبينا أن الأسماك السطحية هي الأكثر مقدرة على السباحة في عمود الماء والتنقل من منطقة لأخرى مقارنة بالأسماك القاعية ذات طاقة الحركة المحدودة الأمر الذي يجعلها أكثر عرضة الى أي تغيرات في ماء البحر" لذا نجد أن معظم أنواع الأسماك القاعية التي يتم اصطيادها عبر القراقير، عادة ما تتعرض للنفوق في حالة ارتفاع درجة حرارة الماء، لأن نطاق حركتها يكون محدود ولا تستطيع الهرب إلى المناطق العميقة أو المناطق المنخفضة الحرارة".
وأوضح المسلماني أن الارتفاع الكبير في درجات حرارة ماء البحر عن الحد الطبيعي، قد يؤدي أيضا الى نفوق العديد من الكائنات البحرية الأخرى، خاصة الشعاب المرجانية التي تعتبر موئلا مهما للأسماك وغيرها، مؤكدا أن سبب الظاهرة الحالية لنفوق الأسماك، هو الارتفاع الكبير في درجة حرارة مياه البحر.
وعرض السيد جاسم العمادي خبير الرصد البيئي، دور المختصين من إدارة الرصد البيئي بوزارة البيئة، الذين قاموا برصد الظاهرة ومسح الشواطئ وجمع عينات الأسماك النافقة من شواطئ ومياه المنطقة الجنوبية والتي تم إرسالها للتحليل لدى المختبرات المركزية بالوزارة .. في حين بين الدكتور محمد عبدالله، استشاري تقييم المخزون السمكي وادارة المصايد، بإدارة الثروة السمكية بوزارة البيئة، أن الأسماك النافقة شملت 18 نوعاً هي: عنفوز، بدح، حاقول، شنينوة، نيسر، ضلعة، ربيب، بسار، صافي، سبيطي، خثاق، جش، عماد، فسكر، وحرة، يماة، سولي وشعري. وقال إن بعضها أنواع سطحية ، ومعظمها أسماك قاعية مستوطنة، تعيش عادة في المناطق الشاطئية القريبة من الشعاب المرجانية، فضلا عن تواجدها في المياه العميقة بالقرب من الجزر والمناطق الصخرية.
وعن أهمية تلك المسوحات البحرية أضاف، أنه نظراً لأن نفوق الكائنات البحرية ممكن أن يحدث لأسباب عديدة، لذا كان لزاماً أن يتم إجراء المسح البحري بالرغم من الانطباع السائد لدى الكثيرين عن ارتباط ظاهرة النفوق الحالية بارتفاع درجات الحرارة، وذلك للتأكد من المسبب الفعلي والتحقق من عدم وجود مسببات أخرى غير ارتفاع درجة الحرارة، سواء كانت تلك المسببات طبيعية أو نتيجة لممارسات خاطئة ، وقال إن ذلك هو ما تم تحقيقه بالفعل حتى الآن، موضحا أن نتائج تحليل العينات أشارت إلى عدم وجود مسببات أُخرى، سواء منها المتعلقة بالظواهر الطبيعية مثل المد الأحمر، أو غير ذلك من مسببات النفوق.
أرسل تعليقك